تخوض الأحزاب الإسلامية معركة التشريعيات على أمل تعزيز رصيدها في البرلمان، وتحقيق خططها في حيازة الأغلبية. وأكملت جبهة العدالة والتنمية دائرة التيار الإسلامي المنخرط في المغامرة الانتخابية رغم تكلفة ذلك، وخصوصا في ظل الرفض المعبر عنه من قبل قطاع من الجزائريين للمسار السياسي الذي تديره السلطة والمقرر أن يترجم هذا الرفض في مقاطعة أو الامتناع عن التصويت. والواضح أن قوى هذا التيار فضلت بعد فشل تجربة العمل المشترك مع قوى المعارضة الأخرى لأجل تغيير الحكم، تحيين تكتيكاتها السياسية ومد يدها ل"النظام" والمشاركة في خططه لبناء مؤسسات جديدة على أنقاض المؤسسات الموروثة من العهد السابق. واختارت هذه القوى اعتماد الواقعية السياسية، وخوض المنافسة على أمل تحقيق ما عجزت عنه سابقا في الرئاسيات والتشريعيات في تغيير النظام، وتحقيق الأغلبية أسوة بما حققه نظراؤها في دول الجوار الإقليمي. ولا تخفي هذه الأحزاب طموحها مستغلة هشاشة أحزاب السلطة، التي يحمّلها قسم من الجزائريين "وزر" العهد السابق. وفي التصريحات الصادرة عن بعض رموز هذا التيار، يمكن أن يستشف الثقة المفرطة لقادة هذه الأحزاب في السيطرة على البرلمان المقبل، وتتبع هذه الاستعراضات بلغة تهديد بالمقاطعة، في عملية تفاوض تحت الطاولة، وبتدفق لا ينضب من المظلومية، فعدم الفوز بالأغلبية يتحمله الآخر، أي النظام، والشعب، فالنظام متهم أبدي بالتزوير والشعب بالسلبية. وعلى خلاف المواعيد الانتخابية في التشريعيات السابقة، حيث تم خوض السباق بقوائم مشتركة، تحت راية تكتل الجزائر الخضراء، ثم الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، يدخل الإسلاميون بصفوف منفردة بعد فشل التحالفين السابقين، ل2012 و2017. وفي رأي الأمين العام الأسبق لحركة النهضة، فاتح ربيعي، الذي ساهم في عقد التحالف الأول مع حركة مجتمع السلم والإصلاح الوطني في 2012، فإن تشتت قوى هذا التيار في التشريعيات المقبلة سيؤثر على النتائج التي ستحققها. وقال في اتصال هاتفي مع "الخبر": "ستتحرك هذه التيارات ضمن الحدود والمساحات التي رسمتها السلطة للفاعلين السياسيين"، في إشارة إلى الإكراهات العديدة التي تواجه الأحزاب، بعد الحراك الشعبي والتشريعات الجديدة المنظمة للعملية الانتخابية. وأضاف "كل من يشارك في هذه الانتخابات يدرك أنه سيتحرك ضمن هذه المساحات والحدود وهو يعلم يقينا ذلك". وأشار إلى أن "كثرة القوائم"، و"عدم توفر الضمانات لنزاهة الانتخابات" زيادة عن "تراجع دور السلطة المستقلة الانتخابات مقارنة بالقانون السابق ومن ذلك العودة إلى نظام التعيين بدل انتخاب أعضاء مجلسها الوطني"، ناهيك عن كون "جزء كبير من الجزائريين غير مرتاحين عن واقع المناخ السياسي العام، وخصوصا بعد الحراك الشعبي وارتفاع منسوب الوعي لديهم، حيث لم يلمسوا التغيير المنشود ما يؤدي إلى إضعاف الانتخابات وحظوظ الإسلاميين". ونبه البرلماني السابق إلى المشاكل التي يطرحها النظام الانتخابي الجديد ليس للإسلاميين فقط بكل لكل الفاعلين السياسيين المشاركين في الانتخابات التشريعية، مسجلا مثلا التعقيدات التي يطرحها في وضع القائمة، بحيث ستحتاج الأحزاب إلى "آلة حاسبة" لتوزيع النسب بين فئات القائمة وإدماج النساء والشباب حسب مقتضيات القانون. تحدي جمع التوقيعات أولا وأفاد رئيس مجلس شورى حركة جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، بعدم وجود تحالف مع الشركاء السابقين، وقال "لحد الآن لا يوجد شيء". وأشار إلى أن الاهتمام مركز حاليا على جمع التوقيعات المنصوص عليها في قانون الانتخابات، وهي 25 ألف توقيع في 23 ولاية على الأقل، وألا يقل عدد الموقعين عن 300 توقيع في كل ولاية. واشتكى بن خلاف من "قيود وضعتها الإدارة عند التصديق على الاستمارات، زيادة عن انسحاب سلطة الانتخابات من الساحة". وإلى جانب مشكل جمع التوقيعات، يطرح اختيار المرشحين مشكلا للأحزاب السياسية جميعا، عبر تضخم الطلبات للبعض أو غياب المرشحين وخصوصا الوفاء بشرط المناصفة المنصوص عليها في قانون الانتخابات. ويدفع هذا الوضع بالأحزاب الإسلامية إلى الانفتاح على تيارات أخرى في المجتمع أو غير متحزبين، وليست هي المرة الأولى التي يعمل بها.