تناول الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين، الشّيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، في العاصمة الأمريكيةواشنطن، مضامين وثيقة مكةالمكرمة، موضّحًا أنّها امتداد لوثيقة المدينة المنوّرة أو دستور المدينة المنوّرة الّذي أمضاه النّبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم مع مختلف مكوّنات المجتمع في المدينة المنوّرة. وأكّد الشّيخ محمد بن عبد الكريم العيسى، في افتتاحه لمنتدى "وثيقة مكّة المكرّمة لتعزيز الوحدة والتّعايش العالمي: تعاون الأديان من أجل الأمن والصّحة والتّنمية"، الّذي نظّمته رابطة العالم الإسلامي بالشراكة مع كبرى المؤسسات الدّينية الإسلامية وغير الإسلامية من مختلف الولاياتالأمريكية، وحضره المديرة التنفيذية لمكتب البيت الأبيض للشّراكات القائمة على العقيدة والجوار، السيدة ميليسا روجرز، ونخبة من قادة السياسة والفكر ورؤساء وأعضاء المراكز الفكرية والبحثية وعدد من مختلف القيادات الدّينية والأكاديمية، أنّ وثيقة المدينة المنوّرة كانت أصدق تعبيرٍ بشاهده الوثائقي على قيم السّماحة الدّينية الإسلامية متضمنة الدّعوة للتّعايش بكامل الحقوق والواجبات مع التّأكيد على كرامة الإنسان وحقّه في الوجود بكامل حريته المشروعة "مهما يكن دينه أو ثقافته أو عِرْقه"، وأنّه لا يدعّم المعنى الجميل للحرية شيء مثل ما تدعّمه المبادئ الدستورية الّتي تتفرّع عنها القوانين الوطنية الّتي يلزم الجميع احترامها لئلّا تتحوّل الحرية لفوضى ومن ثمّ إيجاد الذّرائع للانفلات من القانون بذرائع خاطئة تنتهك القانون وقيم المجتمع الوطني الّتي تمثّل في واقعها قيمه الوطنية المستمدة من دستوره وتاريخه الأخلاقي المشترك. وأشار الشّيخ العيسى إلى أنّ وثيقة مكّة المكرّمة أكّدت على أهمية احترام وجود التنوّع بكافة طيفه، وأنّ هذا يمثّل في معناه الصّحيح احترام إرادة الخالق في وجود الاختلاف والتنوّع والتعدّد بين البشر، مضيفًا أنّ الوثيقة دعت إلى حوار وتحالف الحضارات وعدم الالتفات لنظرية صدام وصراع الحضارات وأنّ الحتمية المنطقية تقتضي الإيمان والعمل بهذا التّحالف لا حتمية الصّراع كما هي مفاهيم التّشاؤم والتّصوّر الخاطئ للتّنوّع البشري، مؤكّدًا على أهمية الفهم العميق للنّظريات الفلسفية في هذا الموضوع حتّى لا نتسرّع ونسيء فهم أصحابها. ونوَّه إلى أنّ رسالة وثيقة مكّة المكرّمة بدأت تترسّخ في الوعي الإسلامي، مشيرًا إلى انعقاد اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في نيامي بجمهورية النيجر، في نوفمبر من العام الماضي، الّذي تمّ خلاله طرح وثيقة مكّة المكرّمة للنّقاش، ثمّ أعلن الوزراء باسم بلدانهم في بيانهم الختامي وبالإجماع إقرار وثيقة مكّة المكرّمة ليستفاد منها في المؤسسات الدّينية والثقافية والتعليمية في دول العالم الإسلامي؛ وذلك باعتبارها مرجعية تُعبّر عن الهُوية الدّينية للأمّة الإسلامية حيث أمضاها أكثر من 1200 مفتي وعالم يمثّلون 27 مذهبًا وطائفةً من كلّ التّنوُّع لعلماء الشّريعة الإسلامية من دون استثناء، وقد فدوا من 139 دولة ليلتقوا ويتّفقوا على هذا الإنجاز التاريخي بجوار قبلتهم الجامعة حيث اكتمل جمعهم في مكّة المكرّمة بجوار الكعبة المشرفة في شهر رمضان في عام 2019م، معبّرين عن كلمة علماء الدّين للأمّة الإسلامية في أبرز القضايا المعاصرة. وتابع الشيخ العيسى قائلًا: وثيقة مكّة المكرّمة امتداد لوثيقة المدينة المنوّرة الّتي رسّخت قيم السّماحة الدّينية والأخوّة الإنسانية، مؤكّدًا أنّها أوّل إجماع إسلامي من نوعه عبَّرَ عن كلمة علماء الشّريعة الإسلامية تجاه قضايا معاصرة مهمّة، وأنّ حضور هذا التّنوّع بمختلف مذاهبهم وطوائفهم من أجل تحقيق هذا الإنجاز التاريخي الوحدوي لم يحصل من قبل على امتداد التاريخ الإسلامي. وأفاد أنّ صدور وثيقة مكّة بإمضاء كافة الطوائف والمذاهب الإسلامية يؤكّد على مستوى التّأثير الكبير والاستثنائي للوثيقة وقد عكس هذا قرار الدول الإسلامية في اجتماع نيامي المشار إليه. وختم أمين عام رابطة العالم الإسلامي بالتّأكيد على أنّ عالم اليوم لا تنقصه المبادرات والخطب والقرارات الدولية وإنّما تفعيلها لتكون واقعًا ملموسًا وعملًا مستدامًا فيما يتطلّب الاستدامة، لذلك ركّزت وثيقة مكّة المكرّمة على البرامج العملية والشّراكات في الداخل الإسلامي وخارجه، وقال: "إنّ هذا اليوم على سبيل المثال شهد في عرضه التقديمي إعلان تنفيذ أربعة برامج عالمية، انطلاقًا من مبادئ وثيقة مكّة المكرّمة، هي: الدبلوماسية الدّينية بقيمها المشتركة مع مختلف أتباع الأديان، وإشراك الشباب، والتّمكين المشروع للمرأة، وبناء القدرات، والّتي ستستمد أنشطتها من مجالات الاهتمام الإنساني والاجتماعي والاقتصادي على المستوى الدولي". وشهد المنتدى جلسةَ نقاشٍ افتتاحية، تلتها خمس ورش عمل موسّعة، ناقشت موضوعات تتعلّق ب 'الحريات الدّينية' و'تعاون أتباع الأديان' إلى جانب "القضايا الاجتماعية في مجتمعات الأقليات" و«دور الاستجابة الدّينية في أوقات الأزمات".