شنّ نشطاء على فايسبوك حملة مضادة لحملة السخرية من المصطافين الذين يجلبون معهم بعض الأطباق كالعدس والكسكسي والشخشوخة إلى الشاطئ، وتداول الجزائريون على نطاق واسع صورا لأطباق تقليدية وآخرون صورا لهم وهم بصدد طهي تلك الأطباق على الشاطئ، كردة فعل منهم على الساخرين ودفاعا على ما يرونه الأصل بدل المأكولات الخفيفة المضرة للصحة. القصة بدأت عند بث إحدى القنوات التلفزيونية فيديو لشباب يسخرون فيه من المصطافين الذين يجلبون معهم أكلات شعبية منزلية إلى الشواطئ وأطباق لا يفترض، حسبهم، أن ينزل بها المصطاف إلى الشاطئ، وانخرط بعض الشباب في البرنامج وحاولوا تصوير من يتناولون المأكولات التقليدية بدل الخفيفة على الشاطئ في قالب ساخر. لينزل بعدها الفيديو إلى مواقع التواصل الاجتماعي وجاءت ردة الفعل سريعة وقوية من جانب نشطاء تراوحت بين بث فيديوهات منتقدة للشباب المبادرين بالفيديو الساخر من تناول الأطباق الشعبية والتقليدية على الشواطئ، وأخرى جاء فيها تقديم نصائح شرعية تنهى عن السخرية من الناس. فيما تصاعد شعار "ناكل واش نحب " و"أترك مكاني نظيف" كأقوى رد فعل تضامني مع الفقراء، حسبهم، والتأكيد على أن تلك الأكلات والأطباق جزء من الهوية التي لا تقبل القسمة على اثنين.
عاش أجدادنا بالأطباق التقليدية
"عند المقارنة نجد أن الأطباق المحلية التقليدية أفضل بكثير من الناحية الصحية والغذائية من الأطباق التي يريد المجتمع فرضها على المصطافين من شوارما، بطاطا مقلية، بيتزا وطاكوس".. هكذا ردت إحدى الصفحات من ولاية سكيكدة على حملات السخرية من المصطافين الذين جلبوا معهم الأطباق التقليدية للشواطئ، وأشار صاحب الصفحة إلى أنه وبعد حملات الاستهزاء نشر مواطنون وكتحدي صور للأطباق التقليدية التي نقلوها إلى الشواطئ، لافتا إلى أن الشوارما والبطاطا المقلية والبيتزا والطاكوس كلها أطباق مرتفعة الثمن وفوائدها أقل من طبق الكسكسي والعدس وسلطة البصل بالطماطم، رغم أن سعرها منخفضا. وختم يقول "لا تخجلوا من الأطباق الجزائرية التقليدية، فبها عاش أجدادنا بصحة جيدة"، ونشرت صفحة تهتم بالتعليم والدراسة في الجزائر صورا لمصطافين يطبخون طبق الكسكسي على الشاطئ. وأشارت الصفحة إلى أن ذلك جاء في سياق رد الجزائريين على حملات السخرية والاستهزاء، حيث كان الرد تحت شعار "أنا حر ندير واش نحب ونأكل واش نحب ولي ما عجبوش الحال يبدل البلاد. كما جاء رد صفحات أخرى على حملة السخرية من تناول الأكلات التقليدية في الشاطئ على نحو "نأكل واش نحب ولست ملزما باتباعك، منيش نأكل الحرام أو المهلوسات"، كما أظهرت الصفحات الفايسبوكية فيديو لشاب وهراني في المهجر، وهو "يبدي تضامنه مع الفقراء الذين يتناولون العدس في القارورة على الشواطئ"، حيث حمل الشاب في يده قارورة بها عدس ليتناوله على طاولة بلاستيكية وضعها على الرصيف. وتحدث الشاب الوهراني في الفيديو مؤكدا "أنه يتناول العدس في القارورة تضامنا مع الفقراء من مختلف ولايات الوطن، وقال الشاب أن العدس نعمة من المولى عز وجل والناس الذين يأتون به هم من الفقراء، واقترح صاحب الفيديو على الساخرين مساعدة الفقراء من خلال تمكينهم من وجبة غداء أو عشاء فاخرة بدل الاستهزاء والسخرية من حالهم. أما صفحة أوفياء ششار فكتبت تقول "بعد حملات استهزاء واستهجان جماعة الزوخ والفوخ وعشاه قرنينة" مواطنون ينشرون صورا لأطباق تقليدية نقلوها لشواطئ البحر كتحدي، ولفتت إلى أنه وبمقارنة بسيطة نجد أن الأطباق المحلية التقليدية أفضل بكثير من الناحية الصحية والغذائية من الأطباق التي يريد بعض المتملقين فرضها على المصطافين مثل الشوارما، البطاطا المقلية، البيتزا والطاكوس، فكلها أطباق مرتفعة الثمن مليئة بإضافات مضرة بالصحة كالمايونيز، وفوائدها أقل من طبق الكسكس أو العدس مثلا". وتابعت"ما تحشمش بأصلك، أجدادنا عاشوا بالأطباق الجزائرية التقليدية وهم في صحة جيدة"، كما نشرت الصفحة صورا لطبق الكسكسي بالعنب والكسكسي باللبن وغيرها من الأطباق التقليدية.
عوض التنمر تقاسموا أكلاتكم "الفاخرة" مع العائلات
ونشر يوسف عبد السميع على صفحته على فايسبوك تعليقا على حادثة السخرية قائلا "نأكل الطعام والسباغيتي والعدس واللوبيا في البحر ..والحمد لله رب العالمين على نعمه وآلائه"، ناشرا صورة ليد وهي تحمل طبق الكسكسي على الشاطئ، كما نشر فيديو له على صفحته عنونه "قالك علاه يجيبو العدس والسباغيتي للبحر". ونشر يوسف عبد السميع في الفيديو مقطع من الفيديو الساخر للشباب وهم يضحكون على العائلات التي حضرت أطباق العدس والسباغيتي للشاطئ، وانتقد يوسف ما جاء في الفيديو وطالب أصحابه بالبحث عن الخلفية وراء إحضار المصطافين لهذه الأطباق التي في نظر الشباب الساخر هي أطباق غريبة. كما تساءل "أين الإشكال في أكل العدس والسباغيتي؟"، مشيرا إلى أن العائلات والشباب الذين تناولوا هذه الأكلات في الشاطئ قد يكونون من طبقة الفقراء الذين تنقلوا عبر الحافلات ليصلوا إلى الشاطئ، لافتا إلى أن هذه الأكلات حلال وليست حرام، كما اقترح على الساخرين تقاسم أكلاتهم الفاخرة مع العائلات الفقيرة. وتوجه يوسف بالنصيحة للشباب الساخر قائلا "يوجد الملايين على وجه الأرض من لم يجدوا ما يسدون به رمقهم"، وتابع "ربما من جيرانك من لم يجد ما يأكله"، ليضيف "ربما سيأتي عليك اليوم الذي سترى فيه العدس والسباغيتي أشهى المأكولات ولن تنالها، لأن في هذه الدنيا الأيام دول يوم لك ويوم عليك". وأضاف "كان عليك وأنت تراهم أن تدعوا لهم بأن يرزقهم الله الخير وتتقاسم معهم الأكل لتكون قد كسبت الأجر وأطعمت عائلة، عوض التنمر والضحك على الناس". وعلى نفس الخطى سار الكثير من الفايسبوكيين الساخطين على ما بدر من الساخرين من المصطافين بسبب جلبهم للأكل المنزلي إلى الشواطئ، معبرين عن تضامنهم مع المصطافين المعنيين بالحملة، وهو ما تجلى في عدد كبير من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة منها فايسبوك.
"الحادثة مؤشر على صراع ثقافات"
يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة مرسلي عبد الله بتيبازة، الدكتور زواد رشيد، أن ما حدث من سخرية من العائلات التي أحضرت معها الأطباق والأكلات التقليدية إلى الشاطئ وردة الفعل القوية من جانب من بادروا بالتعبير عن استنكارهم للسخرية منها، هو مؤشر على صراع ثقافات، ودعا العائلات الجزائرية إلى الاهتمام أكثر بنقل الأصالة إلى أبنائها من خلال العودة بقوة إلى الأطباق التقليدية وكل ما هو تقليدي يعبر عن الأصالة والهوية لترسيخه في ذهنية الأجيال الصاعدة. وقال الدكتور شيد زواد في تحليله لما حدث من سخرية واستهزاء بالأشخاص الذين يتناولون الأكلات التقليدية على الشواطئ، أن الساخرين من الشباب المتشبع بالثقافة الغربية يضنون أن المأكولات الخفيفة من ساندويتشات وبرغر المنتمية للحضارة الغربية هي الحضارة وأن المأكولات والأطباق التقليدية هي الرجعية والتخلف خاصة عندما يتعلق الأمر بتناولها في أماكن التنزه. وأضاف المتحدث أن هذه الذهنية مصدرها المجتمع الذي تخلى جزء كبير منه عما هو تقليدي، موضحا "الشباب في غالبيته لا يعرف الأطباق التقليدية ولا يرتبط بها، والسبب أن الأمهات حاليا في غالبيتهن لا تملكن الوقت للاهتمام بطبخ الأطباق التقليدية، فالضغوطات اليومية وعمل المرأة وانتشار الوسائل التكنولوجية الحديثة ساهم بقسط كبير في ابتعاد النسوة عن طهي الأطباق التقليدية،"لذا فهذا الجيل لم يتربّ على روح الانتماء لهذه الثقافة". وتابع الدكتور زواد تحليله للظاهرة بالتأكيد على وجود عدة عوامل مؤثرة في هذا التراجع عما هو تقليدي، وبالتالي انسلاخ شريحة عريضة من الشباب عنه، منها النزوح الريفي نحو المدن وتراجع دور العائلة الممتدة بسبب التفكك الأسري، على اعتبار أن العائلة الممتدة كان لها دور كبير في ترسيخ ما هو تقليدي ومرتبط بالأصالة. وأضاف أنه وبالنسبة للأطباق، فقد كانت تهتم بالأطباق التقليدية خلافا للأسرة الحالية النووية في غالبيتها نتيجة إفرازات العولمة، كما أن بعض الأطباق التقليدية تتطلب الكثير من المال إذا ما قورنت بالمأكولات الخفيفة "وهذه عوامل جعلت من هؤلاء يسخرون، لكن لا نجد هذه السخرية عند الكبار من الأجيال الماضية المتشبعة بالهوية الوطنية والأصالة". ويرى المختص في علم الاجتماع الدكتور زواد رشيد أن حملة الرد على هؤلاء هي في الحقيقة ميكانيزم دفاعي عن الهوية الوطنية، "فالسخرية والرد الذي شاهدناهما هما في الأصل تعبير جلي عن صراع ثقافات، صراع بين الجيل القديم الذي عاش على ثقافة استهلاكية صحية مع جيل متشبع بثقافة الساندويتش الغربية". وأشار إلى أن المبادرين بالرد أرادوا التأكيد على أهمية الأطباق التقليدية من باب الدفاع عن الثقافة الجزائرية، على اعتبار أن الطبخ فن ينتمي لثقافة معينة، لافتا إلى أنه سبق وأن سخر البعض ممن ينتمون للجيل الجديد من الألبسة التقليدية لجهلهم بما تعبر عنه من أصالة. وواصل الدكتور زواد "أن الصراع حاليا كبير، والمدافعون عن الأصالة يشكلون حائط صد أمام كل محاولة للنيل مما يعبر عن ثقافتنا وتقاليدنا، مشيرا إلى أن السخرية نابعة من روح المغلوب المولع باتباع الغالب، وهؤلاء مجموعة حاولت عن قصد أو عن غير قصد فرض ثقافة غربية لا علاقة لها بتقاليدنا وأصالتنا، ووجدت أمامها فئة تدافع عن الأصالة والهوية، مؤكدا مرة أخرى "عند تحليل العناصر يتجلى لنا صراع خفي للثقافات "فالساخرون حسبهم يعتقدون أن كل من يحضر معه طبق تقليدي للشاطئ شخص غير متحضر". ودعا زواد العائلة الجزائرية إلى الاهتمام أكثر بما هو تقليدي والعودة بقوة إلى الأطباق التقليدية للحفاظ على هذا الإرث من الاندثار وترسيخه في أذهان الأجيال، لافتا إلى محاولة بعض الدول الجارة نسب بعض الأطباق التقليدية والألبسة التقليدية الجزائرية وحتى شخصيات تاريخية جزائرية إليها، مؤكدا على أنه من المهم الدفع بالمأكولات التقليدية إلى الواجهة لمحاصرة الأكلات الغربية غير الصحية التي تكلف الخزينة أموالا طائلة بسبب الأمراض التي تسببها سنويا.
"ما حدث تنمر والأكل حرية شخصية لا أحد يحق له التدخل فيها"
من جهتها أكدت المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك أن الأكل مرتبط بحرية شخصية وقناعات لا أحد يحق له التدخل فيها، ولفتت إلى أن السخرية من أناس أحضروا المأكولات المنزلية إلى الشاطئ لتناولها تعتبر تنمرا، ودعت إلى التوجه نحو الأكل المطبوخ منزليا بدل الأكلات السريعة التي يتم جلبها إلى الشاطئ أو تلك التي تباع على الشواطئ حتى. وقالت المنظمة على لسان أمينها العام حمزة بلعباس أن الأكل قناعة شخصية لا يملك أحد الحق التدخل فيها، فكل حسب إمكانياته، يقول بلعباس، مضيفا "الأكل الصحي هو ذاك الذي يطهى في المنزل وهذا ما يجب أن يتوجه إليه الناس، وأن يبتعدوا عن المأكولات السريعة "مشيرا إلى "أن المشكل الكبير الذي يواجه الصحة العمومية هو الزيت المستعمل لعدة مرات من طرف مطاعم الأكل السريع بشكل يؤدي إلى تفكك مكوناتها ما ينتج عنه سموم". وتابع بلعباس إلى أن الزيت المحروق وفي ظل أزمة الزيت أصبح لا يغير، بل تضاف إليه كميات أخرى رغم ما يترتب عن ذلك من مخاطر،"ندعوا الناس إلى التوجه للوجبات المنزلية، فهي أفضل من المأكولات الخفيفة والوجبات الباردة التي تستدعي إجراءات معينة من الحفظ والتبريد بالنظر لحساسيتها للحرارة". كما أوضح أن الوجبات السريعة والوجبات التي يعرضها المتجولون لا تجهل ظروف تحضيرها، وهو ما يجعل الأطباق المنزلية هي الآمنة والاقتصادية. وذكر بلعباس إلى أن التنمر الذي حدث شيء مؤسف، فالوجبات خيارات شخصية، كما أن محدودي الدخل لا يمكنهم مجاراة الأسعار الملتهبة للمطاعم، واستدل بأمثلة واقعية، حيث أن وجبة سريعة لعائلة من أربعة أشخاص لا يقل سعرها عن 2000 دج وتتجاوز 3000 دج، أما وجبة 5 أشخاص في المطاعم فهي بمعدل 10 آلاف دج. وحذر الأمين العام للجمعية من مخاطر الإصابة بالتسممات الغذائية التي تقف ورائها محلات المأكولات السريعة، وقال "رأينا مؤخرا كيف أن شابا فقد جزءا من أمعائه بعد أن اضطر الأطباء لاستئصالها بعد إصابته بتسمم غذائي نتيجة تناوله وجبة بمحل إطعام سريع بمدينة تيبازة.