قام أول أمس، أنصار نادي شباب قسنطينة، الملقبين بالسنافر، بسلوك حضاري قلما تجده في ملاعب كرة القدم، ليس فقط في الجزائر، وإنما حتى في الكثير من البلدان العربية والأوروبية، حيث نزل آلاف المناصرين إلى ميدان الشهيد حملاوي ساعة قبل موعد انطلاق لقاء فريقهم بالضيف الباتني، لإزالة كميات هائلة من الثلوج التي غطت قسنطينة وضواحيها بسمك لا يقل عن 10 سنتيمتر، وذلك بغرض تفادي تأجيل المقابلة مرة ثانية، فاستخدم محبو الخضورة كل الوسائل المتاحة لنزع الثلج وتسوية العشب في ظرف قياسي، مما سمح بإجراء اللقاء الذي فاز بنقاطه رفقاء بزاز، لكن السعفة الذهبية ظفر بها محبو الخضورة دون منازع. أنصار شباب قسنطينة الذين قيل عنهم الكثير، وحاول البعض وضعهم في خانة الهوليغانز في الثمانينات والتسعينات، صفعوا المغرضين، وأظهروا بأنهم ليسوا كذلك، حتى وإن كان بعض المشاغبين موجودين في كل المدرجات، أثبتوا بأنهم يحبون فريقهم حتى النخاع، ويعرفون معنى السلوك الحضاري، وعندما يؤطرون كما ينبغي يصنعون المعجزات، فكم من مرة يرسم هؤلاء المناصرون لوحات غاية في الجمال، والقوة في النضال تضامنا مع الشعب الفلسطيني والأشقاء التونسيين، وكم من مرة كسروا الحواجز، وتنقلوا مع فريقهم داخل وخارج الديار. الصورة السلبية التي ظلت تلاحق محبي الخضورة على مر السنوات، طمسها السنافر أول أمس بملعب حملاوي، عندما اتحدوا كقوة واحدة لإزالة الثلوج، وهو ما لم يقو على فعله مسيرو الملعب ومسؤولو المركب، صورة نتمنى أن تتكرر في كل ملاعبنا، وأن يقوم المناصر بدوره الحقيقي بجانب فريقه، وبكل روح رياضية ودون «شوفينية» زائدة عن اللزوم. صحيح أن بعض الأحداث العنيفة التصقت بمباريات شباب قسنطينة طوال ال 30 سنة الأخيرة، لكن الأجيال تتغير، وردود الفعل تختلف، ومناصرو العميد القسنطيني يعيشون في عصر «الفايس بوك» وغيرها من وسائل الاتصال. وحتى إن ظل موضوع هيكلة عشرات الآلاف من المناصرين صعب الغوص فيه، فإن «لقطة الثلاثاء» التي شاهدها الكل بحملاوي، والتي تصور المناصر ينزل للميدان، ويسخر ما لديه من وسائل لنزع الثلوج، شبيهة بصورة القرى الجزائرية المعزولة، التي تعيش تحت وقع التضامن والتلاحم من أجل إيصال قارورة غاز البوتان أو كميات الحليب والأرز والدقيق للأطفال والعائلات التي حاصرتها الثلوج . أنصار شباب قسنطينة يستحقون التحية على ما فعلوه، وكان من المفروض على التلفزيون الجزائري، الذي بث اللقاء مباشرة، أن يجري روبورتاجا عن هؤلاء المناصرين، الذين أكدوا بأنهم ليسوا هوليغانز، وليسوا مشاغبين، ولغتهم ليست الحجارة والعنف، وإنما يعشقون فريقهم ويضعونه فوق كل اعتبار.