ربما لا يختلف اثنان على أهمية تحلي أي مدرب في عالم كرة القدم بسمات شخصية خاصة لا تقل أهميتها عن توافر القدرات الفنية والمواهب التكتيكية لديه ، فكاريزما المدرب أصبحت الآن من أهم العناصر الشخصية التي تشغل بال الجماهير ووسائل الإعلام أيضا . وعندما يأتي الحديث عن الكلاسيكو لا يمكن إغفال دور المدربين "الشخصي وليس الفني فقط" في التأثير على نتيجة المباراة ، وإثارة الجدل أحيانا بتصريحات نارية قبل وبعد المباراة التي تحظى بنسبة المشاهدة الأعلى بين عشاق الساحرة المستديرة حول العالم . صراع مورينيو – غوارديولا ربما كانت حقبة هذا الثنائي هي الأكثر سخونة في تاريخ مواجهات برشلونة وريال مدريد لما كان بينهما من تنافس شديد وتبادل تصريحات نارية ، ولما يميزا به من كاريزما طاغية . فالمدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو عُرف عنه إثارته الدائمة للجدل وتصريحاته الصادمة في بعض الاحيان منتقدا التحكيم تارة .. وموجها سهامه التهكمية صوب الخصوم تارة أخرى . وعلى الجهة الاخرى كان المنافس له هو الاسباني بيب غوارديولا الذي خرج عن هدوئه بسبب تصريحات مورينيو في الكثير من الاوقات ، وبلغ العداء بينهما إلى تجاهل تبادل التحية في أكثر من لقطة أثناء مباريات الفريقين . كانت هذه الفترة غنية حقا بالمواد المثيرة على صفحات الجرائد وشاشات التلفاز ؛ وكنا أمام مدربين من طراز خاص رغم صغر سنهما إلا أنهما كانا صيد دائم وثمين للكاميرات التي طالما طاردت تعبيرات وجههما والانفعالات أثناء مباريات الكلاسيكو بشكل خاص . بل ان اهتمام وسائل الاعلام والجماهير بردود أفعال مورينيو وغوارديولا أثناء المباراة وبعدها ، وحرب التصريحات الساخنة المتبادلة بينهما كان أكبر من الاهتمام بأداء الفريقين ونتيجة المباراة ! ، وهو ما كان يضيف سخونة كبيرة لأجواء الكلاسيكو المشتعلة بطبعيتها . ويرى الكثيرون أن أحد أهم أسباب عدم نجاح مورينيو نسبيا في قيادة الريال إلى الالقاب المحلية والقارية مثلما كان مرجوا منه هو العامل النفسي الذي تكون داخله نتيجة المقارنات الدائمة بينه وبين غوارديولا ، ومطالبة إدارة الريال وجماهيره له بوضع حدا لهيمنة البلوغرانا على الألقاب محليا وأوروبيا وهو ما وضع حملا مضاعفا على كاهل المدير الفني البرتغالي وانعكس سلبا على لاعبيه أيضا نتيجة لعصبيته الدائمة أثناء المباريات . وبالطبع استفاد لاعبو البرسا من هذه الظروف الخاصة مستغلين التفوق النفسي والمعنوي ، وهو ما دفعهم إلى تحقيق سلسلة انتصارات متتالية على الغريم التقليدي والأزلي سواء في الليغا أو في بطولة دوري الأبطال ، وهو العامل الذي كان له الكلمة العليا في حسم المواجهات أكثر من التفوق الفني أو التكتيكي ، لتدخل كاريزما المدربين بشكل مباشر في تحديد نتائج مواجهات الفريقين في هذه المرحلة . مرحلة أنشيلوتي مع الريال ربما أحسنت إدارة ريال مدريد في إسناد مهمة الفريق الفنية إلى المدير الفني الايطالي المخضرم كارلو أنشيلوتي ؛ الرجل الداهيه الخبير غير تماما من وجه الفريق خلال فترة وجيزة وقاده إلى تحقيق اللقب العاشر في مسابقة دوري الأبطال والذي طال انتظاره كثيرا من جانب عشاق النادي الملكي . ربما أهم ما يميز أنشيلوتي إضافة إلى حنكته التكتيكية الكبيرة هو هدوئه الشديد في إدارة الأمور وتعامله الحذر والدقيق مع مجريات الموسم خطوة بخطوة ، فهو لا يشغل باله بالتصريحات الصحفية ولا يسعى إلى عمل "فرقعات" إعلامية لينصب تركيزه على كيفية تحقيق الفوز بأقصر الطرق فقط . كان إلى جانب أنشيلوتي يتواجد الأسطورة الفرنسي زين الدين زيدان كمساعدا له في الإدارة الفنية ، زيدان كان بمثابة المكمل لشخصية أنشيلوتي لما تميز به من كاريزما عالية جدا ، وربما كانت لقطات انفعاله أثناء المباراة النهائية لدوري الأبطال أمام أتليتيكو مدريد أفضل من أية كلمات . كاريزما انريكي تنقذ البرسا وعلى جانب برشلونة افتقد المدير الفني الأرجنتيني تاتا مارتينو للسمات الشخصية القوية وبدا فاترا للغاية في تصريحاته أو تصرفاته داخل الملعب ، وقد يكون هو أكثر مدرب لم يلاقي أي ترحيب من جانب جماهير برشلونة وفشل في دخول قلوبهم لافتقاره إلى الكاريزما . ولكن في الموسم الحالي وبعد الاستعانة بخدمات نجم الفريق السابق لويس انريكي لقيادة الفريق سيكون الوضع مختلفا ؛ فالمدرب الشاب لم يحتاج إلى وقت طويل لكي يحظى بقبول وحب عشاق البلوغرانا خاصة وأنه أحد نجوم الفريق السابقين ، إضافة إلى تمتعه بكاريزما قوية وسمات شخصية متميزة أتاحت له السيطرة على مقاليد الأمور داخل النادي سريعا وهو الشئ الذي فشل فيه مارتينو تماما في الموسم الماضي . انريكي إضافة إلى نجاحه الفني والخططي في إعادة هيكلة البلوغرانا وإعادة اللمسة الجمالية لأداء الفريق ، نجح نفسيا بشكل أكبر في إعادة تأهيل لاعبي البرسا وعلى رأسهم النجم الارجنتيني ليونيل ميسي والذي كان يعاني من أزمة نفسية كبيرة عند وصول انريكي بعد فشله في قيادة منتخب الارجنتيني في التتويج بالمونديال الأخير إضافة إلى فشله مع برشلونة في الحصول على أية ألقاب في الموسم الماضي وعدم تتويجه الشخصي بالكرة الذهبية ، ولكن مع قدوم انريكي عادت البسمة إلى وجه البرغوث الأرجنتيني وبدأ الموسم بشكل أكثر من رائع وهو ما يصب في مصلحة الفريق بكل تأكيد . في المباريات الحساسة مثل الكلاسيكو لا يكون للعوامل الفنية أو مهارة اللاعبين الكلمة الوحيدة في حسم النتيجة ، إنما يكون للعامل النفسي والثبات الانفعالي وقدرة المدرب على تأهيل لاعبيه أهمية قصوى قد تفوق في بعض الأحيان أهمية التحضير الفني والخططي . وفي مباراة السبت المرتقبة سيكون عشاق كرة القدم على موعد مع مواجهة كبرى ستجمع كارلو أنشيلوتي الرجل المحنك هادئ الطباع و "الأب الروحي" للاعبي الريال ، مع لويس انريكي أحد المدربين الشبان الواعدين والقادمين بقوة في عالم كرة القدم ، صاحب الكاريزما المميزة .. فترى لمن تكون الغلبة ؟