توفي المناضل التاريخي نيلسون مانديلا الرئيس السابق لجنوب إفريقيا مساء أول أمس، عن عمر يناهز 95 عاما بمنزله بجوهانسبورغ، بعد مكوثه لأشهر بالمستشفى الذي أُدخل إليه في شهر جوان الماضي، للعلاج من عدوى في الرئتين. وعُرف نيلسون روليهلالا مانديلا الذي وُلد في 18 جويلية من سنة 1918، بنضاله المستميت ضد نظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا، حيث التحق في الستينيات بصفوف الحركة التحررية الإفريقية ضد نظام الأبارتيد في بلاده، ولقّبه أفراد قبيلته ب "ماديبا"، وتعني "العظيم المبجَّل"، وهو لقب يطلقه أفراد عشيرة مانديلا على الشخص الأرفع قدرا بينهم، وأصبح مرادفا لاسم نيلسون مانديلا، الذي كان يعتبر المهاتما غاندي المصدر الأكبر لإلهامه في حياته وفلسفته حول نبذ العنف والمقاومة السلمية ومواجهة المصائب والصعاب بكرامة وكبرياء. فبكثير من التأثر والحسرة، أعلن أمس الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما عبر التلفزيون الرسمي مباشرة، عن رحيل "ماديبا" بطل الكفاح ضد التمييز عن عمر ناهز 95 عاما، وذلك في منزله بجوهانسبورغ، وأشاد مطوّلا بمناقب الزعيم "ماديبا"، الذي كان أول رئيس أسود في جنوب إفريقيا من 1994 حتى 1998، معلنا بأن "الأعلام ستُنكس، وأن مهندس السلام في العالم سيكون له مراسم دفن رسمية".
أهم الأحداث التي طبعت حياة نيلسون مانديلا وتميزت حياة قاهر الأبارتيد في جنوب إفريقيا والذي قضى أكثر من ربع عمره في السجن، بمسار حافل بالأحداث؛ حيث انضم في سنة 1942 لحزب "المجلس الإفريقي القومي"، الذي كان يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا. وفي سنة 1944، ساهم مانديلا في إنشاء "اتحاد الشبيبة" التابع لحزب "المجلس الإفريقي القومي"، وأشرف على إنجاز "خطة عمل لاتحاد الشبيبة، فيما فتح في 1952 رفقة صديقه أوليفر تامبو، أول مكتب محاماة للسود في جنوب إفريقيا، وأشرف على حملة التحدي التي أطلقها الحزب؛ لمناهضة سياسة الميز العنصري، فكان ذلك سببا في إصدار أول حكم ضده بالسجن مع عدم التنفيذ. وتوالت بعد ذلك سلسلة الاعتقالات السياسية التي لا حقت "ماديبا"، بتهمة انتهاك قرار حظر الشيوعية، وأُلقي عليه القبض في 1956 بعد رفضه تحديد إقامته، ووُجهت له تهمة الخيانة العظمى والتآمر لإسقاط الدولة قبل أن تسقط التهم المنسوبة إليه. وفي 1962، قاد مانديلا المقاومة السرية التي كانت تدعو إلى ضرورة التوافق على ميثاق وطني جديد، يعطي السود حقوقهم السياسية، وأصبح حينها رئيسا للجناح العسكري للمجلس الإفريقي القومي. وفي نفس السنة (1962)، جاء مانديلا إلى الجزائر للتدرب العسكري وترتيب دورات تدريبية لأفراد الجناح العسكري في حزبه. وعند عودته أُلقي عليه القبض، وصدر في حقه الحكم بخمس سنوات سجنا، بتهمة السفر غير القانوني والتدبير للإضراب. وأعيدت محاكمته في 1964 بتهمة التخطيط لعمل مسلح والخيانة العظمى، حيث صدر حكم في حقه بالسجن المؤبَّد. وقضى نيلسون مانديلا الذي أصبح زعيما سياسيا وبطل السلام في العالم، وقتا طويلا في السجن، حتى إنه رفض في سنة 1985 عروض لجنة كبار المسؤولين التي عيّنتها الحكومة، لإجراء محادثات سرية معه، لإرغامه على تقديم تنازلات، ومنها وقف العنف والكفاح المسلح، ومكث في زنزانته التي أصبحت فيما بعد مزارا لكبار المسؤولين في العالم، إلى غاية 11 فيفري 1990، حيث تم الإفراج عنه بعد 27 عاما من السجن. وتم بالمناسبة الإعلان عن وقف الصراع المسلح بين البيض والسود في جنوب إفريقيا، والشروع في سلسلة مفاوضات أدت إلى إقرار دستور جديد في البرلمان في نهاية 1993. وتولّى نيلسون مانديلا الذي حظي باحترام منقطع النظير ليس من قبل شعب جنوب إفريقيا فحسب، بل من قبل كافة شعوب وحكومات العالم، رئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي من جوان 1991 إلى ديسمبر 1997. وخلال تلك الفترة، منحته منظمة الأممالمتحدة في 1993، جائزة نوبل للسلام والعديد من شهادات الشرف العالمية، فيما انتُخب مانديلا في 1994 كأول رئيس أسود لجمهورية جنوب إفريقيا إلى غاية 1999؛ حيث أعلن عن تقاعده وانسحابه من السلطة. وفي سنة 2004، قرر مانديلا ترك الحياة العامة بسبب تقدمه في السن ورغبته في قضاء بقية عمره مع عائلته، واختارته منظمة الأممالمتحدة كسفير للنوايا الحسنة في سنة 2005، في وقت كان اسمه لايزال مدوَّنا على لائحة الإرهاب في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تم شطبه من هذه اللائحة في 2008 بقرار من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. ولعب نلسون مانديلا دورا بارزا في قرار منح جنوب إفريقيا حق تنظيم نهائيات كأس العالم في سنة 2010، حيث شارك في احتفالية نُظمت بالمناسبة، وكانت بذلك آخر إطلالة له على الجمهور العالمي، قبل أن يُلزمه تحالف السن المتقدم والمرض المكوث بالبيت.. وقد كسب "ماديبا" قلوب وعقول شعوب العالم، وغطى على كل قادة العالم، وبات رمزا حيا للشجاعة والأمل وحب الإنسانية والمصالحة. فمن الميزات الرائعة التي صنعت هذا الزعيم الفذ والبطل التاريخي، أن معاناته الشخصية الطويلة لم تملأ نفسه بالأحقاد أو بالشعور بغريزة الانتقام، وهو ما شجع الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الإعلان في نوفمبر 2009، عن تخصيص يوم 18 جويلية (يوم ميلاده)، "كيوم دولي لنيلسون مانديلا"؛ اعترافا بإسهامه في ثقافة السلام والحرية، ويكفي أنه سيبقى في أذهان كل شعوب العالم رمزا للسلام، الذي نال لأجله أكثر من 100 جائزة دولية تكريمية، منها جائزة نوبل للسلام في 1993، وجائزة غاندي الدولية للسلام في 2001، وجائزة منظمة العفو الدولية لسفراء الضمير في سنة 2006.