استقبلت "ليالي المديح" بقاعة "ابن خلدون" جمعيتي "ابن باجة" من مستغانم و"دار الغرناطية" من القليعة، اللتين قدّمتا برنامجا ثريا في المديح، إضافة إلى محاضرة خاصة بالمديح في التراث الأندلسي قدّمها الباحث عبد القادر بن دعماش. انطلقت السهرة بنوبة "زيدان" ضمن برنامج قدّمته الفرقة العتيقة "ابن باجة"، ومنه "انا الذي بيّا"، "يا سيد أحمد يا محمد"، "تحيا بكم كل أرض تنزلون بها"، "محمد خير الورى"، "يا طلعة البدر المنير"، "عروس يوم القيامة" و"يا قوم صلوا على حبيبي" (انقلاب زيدان، مصدّر، بطايحي، درج، انصراف وخلاص). وتعدّ "ابن باجة" فرقة عريقة، تأسّست عام 1993، حازت جوائز في مهرجانات وطنية ودولية وشرّفت الجزائر من خلال مشاركتها في حفل اليونسكو، كما لها أقراص مضغوطة في الجزائر، فرنسا، بريطانيا وكندا، كما لها مدرسة للتكوين الموسيقي الخاص بالتراث. وتلا هذه الوصلة، تقديم محاضرة من طرف الباحث في التراث عبد القادر بن دعماش، بعنوان "الزجل والمديح الديني"، حيث اعتبر هذا الموضوع هاما في تاريخ الثقافة الجزائرية لم ينتبه له الباحثون كثيرا، وأشار إلى أنّ الموسيقى الأندلسية بدأت بالموشّح القادم من المشرق ذو الفصحى الأصيلة، وعند وصوله إلى الأندلس تمّ تحويله إلى زجل، وبالتالي فقد الكثير من لغة الضاد وأصبح دارجة ذلك الزمان، وتعزّز هذا الزجل في القرن ال10 م مع ابن قزمان، كما تحوّل اللحن العربي ذو ربع المقام إلى نوبة وبعدها وابتداء من القرن ال11م دخل بلاد المغرب العربي وتوطّن أكثر بعد هجرة الأندلسيين إثر سقوط غرناطة. وأشار المحاضر إلى أنّ الصوفية خاصة بالجزائر والمغرب حاربت الزجل لكلماته الهابطة واستبدلته بالمديح، وكانت البداية مع سيدي بومدين الغوث الذي كتب المديح ك"تحيا بكم" وغيره، ثمّ استغلت الطرقية هذا التراث وأدّت قصائد المديح بالموسيقى الأندلسية (النوبة)، إلاّ أن أداءها بقي محصورا في أماكن خاصة وليس متداولا عند العامة. وذكر المتدخل أنّه حسب ابن خلدون، فإن الجزائر كان بها نوع غنائي يسمى "عروض البلد"، وفي القرن ال16م كثرت الحركة الدينية خاصة مع الغزو الإسباني وبالتالي شاع المديح خاصة مع سيدي لخضر بن خلوف واضع نوع الملحون الذي انتقل إلى المغرب، وفي القرن ال 18 م برزت نهضة شعرية بالجزائر على يد ابن مسايب، ابن تريكي، ابن دباح وابن سهلة، ليظهر "الحوزي"، وأضاف بن دعماش أن المديح في القرن ال20 م أصبح جزءا من الهوية التي قاومت الاحتلال الفرنسي وباتت الموسيقى الأندلسية في أغلبها مدائح. الجزء الثاني من السهرة نشّطته جمعية "دار الغرناطية" من القليعة، وقدّمت برنامجا في نوبة "حسين" في "الجد" في انقلاب "عراق" يقول مطلعه "أحمد مولاك العظيم"، ومصدر يقول "يا معشر الفقراء"، وكذا درج "يا حبيبي ونعم الوكيل"، انصراف "الحب قاتل وسكنه في كناني"، و"يا محمد يا جوهرة عقدي"، خلاص "من حبي في خير الورى ونبيي يا له من نبي" لتختم بخلاص "زيدان" "يا قوم صلوا على حبيبي، وجهه يحاكي دارة قمر". وفي سياق متّصل، كانت المناسبة فرصة لتكريم الباحث عبد القادر بن دعماش من طرف السيدة وهيبة دالي رئيسة جمعية "عبد الكريم دالي" منظمة هذه الليالي، وفي هذا الصدد أكّد بن دعماش ل"المساء" أنّه سعيد بهذه الليالي التي تفتح آفاقا جديدة للبحث في التراث الوطني. "المساء" التقت أيضا السيد الحاج بوعلام خروس رئيس جمعية "دار الغرناطية"، الذي أشاد بالتظاهرة التي تلتفت إلى نوع المديح في التراث الأندلسي، التي سمحت بإحياء قصائد قديمة جدا كادت تنسى، أمّا نائبه السيد نور الدين لابري، فأكّد أن تراث المديح كاد يختفي عكس نوع الغزل في التراث الأندلسي، مشيرا إلى أنّ هذا التراث راج في الجزائر إبان التواجد العثماني وفي الفترة الاستعمارية خاصة بالمساجد وفي مناسبات عدة كرمضان والمولد النبوي الشريف، ومن أشهر مؤديه من باش مداحين "الشيخ القبابطي"، وكان يؤدى بالنوبة واختفت هذه العادة التي تعدّ جزءا من تراثنا الوطني وتاريخنا حيث كانت هذه العادة تدوم سبعة أيام تجوب خلالها مساجد العاصمة من الجامع الكبير ثمّ كتشاوة فسيدي رمضان وصولا إلى سيدي امحمد، موضّحا أن المديح يعرف ب"الجد" عكس الغزل واللهو في الموسيقى الأندلسية الذي يعرف ب«الرهاوي". من جانبه، أكّد المسؤول عن تنظيم هذه الفعاليات الفنان كاتب نسيب ل"المساء" أنّ "ليالي المديح" انطلقت من فكرة لوزارة الثقافة مع التركيز على نوع "الجد" لينطلق العمل مع الجمعيات المشاركة منها "دار الغرناطية"، "القرطبية"، "عنادل الجزائر"، "ابن باجة" وجمعية الفنون الجميلة و«جوق عبد الكريم دالي" مع الفنانة إيمان صهير. وأضاف أنّ هذه الليالي أطّرتها جمعية "عبد الكريم دالي" التي أرادت إحياء تراث الباش مداحين بالعاصمة خاصة الذين تركوا قصائد راقية في المديح، كما ساهموا في الحفاظ على النوبة الأندلسية من الضياع. للإشارة، أقيم ببهو قاعة "ابن خلدون" معرض للكتب وعلب الأسطوانات، وجاءت أغلب العناوين في التراث الموسيقي الجزائري منها مثلا كتاب "المهم في ديوان الشعر الملحون"، "الشيخ الحاج عبد الكريم دالي..حياة"، "أغاني القصبة" و"التراث الشعبي والشعر الملحون في الجزائر".