كانت مشاركة الجزائر في القمة الإفريقية - الأمريكية متميزة من حيث تقديم تصورات تصب في إطار إرساء إطار جديد لتعزيز الشراكة بين الجانبين، وذلك بتحديد الأولويات، والتأكيد على ضرورة الاستجابة لاحتياجات القارة السمراء في قطاعات حيوية، من شأنها إضفاء واقع تنموي جديد للشعوب الإفريقية، التي تتطلع للعيش في مستوى الإمكانات الكبيرة غير المستغَلة التي تزخر بها قارتهم. فقد طغى البعد الاستراتيجي على "تصريح الجزائر" خلال هذه القمة، وذلك بإدراج مسائل ذات أولوية، حيث يأتي في مقدمتها تعزيز الأمن والسلم في إفريقيا، انطلاقا من قناعتها بأنه لا تنمية بدون ضمان الاستقرار، وهي الرؤية التي رافعت عنها في الكثير من المناسبات في ظل ما تشهده القارة الإفريقية من أوضاع غير مستقرة؛ بسبب تفشي بؤر التوتر، التي انعكست سلبا على التنمية. هو انشغال حرصت الجزائر على نقله خلال هذه القمة؛ وذلك بدعوتها واشنطن لتعزيز الشراكة في مجال الأمن للاستجابة، بشكل أحسن، لحاجيات القارة، في وقت حذّرت من تزايد دفع الفديات التي زادت، بدورها، في قدرة الجماعات الإرهابية على إلحاق الضرر. وبلا شك، فإن هذه الرؤية تستند إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقة الساحل، واستغلال الجماعات الإرهابية لإفرازات ما سُمي بثورات الربيع العربي التي عزّزت من شوكتها بسبب تهريب الأسلحة، لتهدد بذلك استقرار المنطقة ككل، ويكفي أن ما يحدث في مالي دليل قاطع على ذلك. ومع إدراك المجموعة الدولية بمخاطر الوضع الجديد في المنطقة، لم تتردد الجزائر في التحذير من تصاعد العنف على مستوى القارة خلال السنوات الأخيرة مع تضاعف الجماعات الإرهابية واتصالها بشبكات المتاجرين بالمخدرات والأسلحة والبشر، مما يستدعي تعزيز القدرات الإفريقية لتسوية النزاعات، وتعزيز التعاون في مجال محاربة الإرهاب، وهو ما استجابت له واشنطن بشكل إيجابي؛ من خلال قرارها إنشاء صندوق للشراكة في مجال مكافحة الظاهرة العابرة للحدود. وعلى غرار الأمن والسلم ترى الجزائر أنه من الأهمية بمكان التركيز على قطاعات حيوية بالنسبة للقارة السمراء، كما هو الشأن بالنسبة للطاقة والتجارة والاستثمار، وذلك في إطار تغطية العجز الذي تعاني منه القارة الإفريقية في مجال البنى التحتية. كما اغتنمت لقاء القمة للحديث عن أهمية المشاركة الأمريكية في تعزيز الإجراءات التحفيزية المتعلقة بضمان القروض والدعم المالي للمؤسسات الأمريكية المستثمرة بالخارج. وتندرج قناعة الجزائر في سياق ضمان مرافقة الشركاء للجهود الإفريقية، لتعزيز فرص الاستثمار في القارة السمراء، علما أن بلادنا رافعت في عدة مناسبات لصالح مبدأ التكافؤ في المعاملات بين إفريقيا وشركائها على ضوء المتغيرات الدولية وبروز إرادة جديدة للدول الإفريقية لتغيير المفاهيم التي طالما لازمت قارتهم، التي ظلت في الماضي مصدر ثروات الغير، في حين أنها نفسها لا تستغل مواردها بسبب افتقارها للإمكانات. ومن هذا الباب حرصت الجزائر في عدة مناسبات، على دعوة الدول الغربية للتخلي عن نظرتها وأحكامها المسبقة تجاه القارة، واعتبارها مجرد منطقة للتخلف واللااستقرار وتفشي الأمراض والأوبئة، مؤكدة أن الأفارقة لم يعودوا بحاجة إلى مساعدات بقدر ما هم بحاجة لمرافقة مساعيهم من أجل استحداث إطار جديد للتعاون وفق شراكة عادلة في إطار الاحترام المتبادَل. ومن هنا كانت رسائل الجزائر واضحة خلال قمة واشنطن عند حديثها عن موضوع الشراكة، مبرزة، في هذا الصدد، الإمكانات الواعدة التي تزخر بها إفريقيا إلى جانب الإنجازات المحقَّقة على أرض الميدان، والتي تبقى بحاجة إلى الدعم، كما هو شأن المشروع الهيكلي الجهوي لأنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي من شأنه تغطية حصة من احتياجات منطقة الساحل، إضافة إلى ميادين الزراعة، الطاقات الجديدة واستكشاف الحقول النفطية الجديدة. وبما أن أهداف الألفية حول تطوير مجالات التربية والصحة وتشغيل الشباب وترقية واقع المرأة كثيرا ما تستحوذ على تقارير منظمة الأممالمتحدة المعَدة لصالح إفريقيا، فقد دعت الجزائرالولاياتالمتحدةالأمريكية إلى مرافقة القارة السمراء من أجل تحقيق هذه الأهداف، إلى جانب إيلاء الاهتمام للشباب وإدماجهم في المسار الاقتصادي وضمان الحوكمة الجيدة لحقوق الإنسان والمجتمع المدني، لتعزيز قدرات الهيئات الإفريقية في هذا المجال. كما اتسمت رؤية الجزائر بالنظرة العصرية إزاء التغيرات المناخية والبيئة والعلوم التكنولوجية ومجتمع المعلومات، حيث طلبت من الشريك الأمريكي مساعدة القارة في وضع استراتيجية للصمود في وجه التغيرات المناخية والمحافظة على المحيط.وقد سعت الجزائر من خلال مشاركتها المتميزة في هذه القمة، لرسم نظرة جديدة للتطلعات الإفريقية أمام الشريك الأمريكي، ومن ثم إقناعه بأن إفريقيا الأمس الغارقة في النزاعات والفقر والتخلف، ليست إفريقيا اليوم الباحثة عن نفسها في إطار المتغيرات الدولية الجديدة، التي تحكمها الثروات الطبيعية المسؤولة في تغيير موازين القوة في العالم.وبذلك تكون الجزائر قد تركت بصمتها جليا في قمة واشنطن، وهي المرشحة لقيادة القاطرة الإفريقية بشهادة أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي، الذي أكد على أهمية دور الجزائر، التي طالما رافعت من أجل قارة إفريقية قوية حاضرة في معادلة القوى العالمية، مؤكدا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر الجزائر من أقوى المترشحين لقيادة هذه القاطرة في علاقتها بالولاياتالمتحدة؛ نظرا لقيادتها الحكيمة وحفاظها على عامل الاستقرار والسلم.