تحتفل الجزائر اليوم، بيوم الدبلوماسية في ظل المكاسب التي حققتها خاصة في المدة الأخيرة، مما مكّنها من استعادة مكانتها الدولية على ضوء التحولات الجيو سياسية التي تعرفها المنطقة المغاربية و الإفريقية، وما صاحبها من إفرازات للتحديات الأمنية التي باتت تحكم العلاقات الدولية بسبب تنامي ظاهرة الإرهاب العابرة للحدود، ففي ظل التعقيدات التي تشهدها بعض الدول على إثر ما يسمى بموجة الربيع العربي، حافظت الدبلوماسية الجزائرية على مبادئها المرتكزة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية بدعم الحلول السلمية بين الفرقاء. وكثيرا ما حظيت مقاربات الجزائر بالكثير من التقدير لاسيما فيما يتعلق بالشق الأمني الذي أضحى يتصدر اهتمامات المجموعة الدولية في محيط عالمي معرض لاهتزازات أمنية خطيرة. وبلا شك فإن الاهتمام بتكريس الأمن جاء بعد التجربة الطويلة للجزائر في مكافحة الإرهاب ونجاحها في التصدي لهذه الآفة، حيث كان ذلك بمثابة رسالة قوية لكافة الشركاء بأنها ترفض التساهل مع من يحاول أن يعبث بأمنها. ومن هنا يبرز حرصها على نقل تجربتها في تكريس السلم والأمن لدول الجوار من باب تعميم الفائدة، حيث لم يقتصر دورها على الدعوة للتحسيس بخطورة الإرهاب عبر المنظمات الإقليمية والجهوية، من خلال تقديم مشاريع قوانين نموذجية لمكافحة الإرهاب على مستوى الهيئات الدولية، بل إنها تقوم اليوم بدور المنسق والفاعل الإقليمي المحوري لمنطقة الساحل والصحراء في مواجهة تحدي مكافحة تنظيم القاعدة، بفضل قدرات الجيش الوطني الشعبي، والأسلاك المشتركة التي أظهرت قدرة كبيرة على مواجهة الجماعات الإرهابية. وفي المقابل تتمسك الجزائر بمبادئ الحل السلمي وتكريس الحوار بين الأطراف المتنازعة مثلما هو الشأن في الأزمة المالية، حيث قبلت مطلب سلطات باماكو من أجل القيام بمساعي الوساطة بين الفرقاء الماليين، وبالفعل فقد أثمرت جهودها بعقد لقاءات الحوار المالي الشامل بالجزائر، معبّدة بذلك الطريق أمام إرساء السلم المستديم بإبرام اتفاق سياسي يجنب البلاد صعوبات إضافية وتداعيات إنسانية خطيرة. فقد ضاعفت الدبلوماسية الجزائرية من حركيتها ونجحت في الكثير من المناسبات في فرض وجهة نظرها المتمثلة في الحل السلمي ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتجريم دفع الفدية للإرهابيين والتركيز على المفهوم الواسع للأمن وتكريس التنمية الإقليمية الواسعة الكفيلة بضمان أمن واستقرار دائمين. كما وجدت الجزائر نفسها أمام مجابهة إفرازات الثورات العربية لا سيما ما تعلق منها بالهزّات الأمنية والسياسية، حيث بقي موقف الجزائر متجانسا مع مبادئها العامة لسياستها الخارجية، و التي ترتكز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلى جانب الوقوف مع خيارات الشعوب ومطالبها المشروعة رغم الانتقادات التي واجهتها في البداية على خلفية مواقفها من الأحداث في ليبيا وسوريا. غير أن الجزائر أدركت أن ما يحدث في العالم العربي ليس مجرد تطلعات مشروعة للديمقراطية، وإنما مخططات وراءها مصالح لا تتماشى مع مصالح الدول والشعوب، كما أن نتائجها ستكون وخيمة على شعوب المنطقة و هو ما تأكد لاحقا في ليبيا التي أصبحت تعيش انفلاتا أمنيا خطيرا، مما دفعها مؤخرا للإعلان عن استضافة جلسات للحوار الليبي شهر أكتوبر الجاري، في سياق إرساء المصالحة بهذا البلد بعيدا عن الحل العسكري والتدخل الأجنبي، وهو ما رحبت به المجموعة الدولية. يأتي ذلك في الوقت الذي يجمع فيه المتتبعون على أن الجزائر تظل من الدول القليلة التي لم يكن لها أن تبرر مواقفها المبدئية، أو أن تتراجع عنها مثل ما يتجلى ذلك في الملف السوري، حيث ظل موقفها ثابتا لا سيما بخصوص رفض التدخل الخارجي بهذا البلد، وسرعان ما تبين صواب الرؤية الجزائرية من خلال تراجع دول عربية وغربية كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية عن مواقفها، مفضّلة الالتحاق بالطرح الجزائري، وتبنّي الحل السياسي. وقد حظيت مواقف الجزائر بالكثير من التقدير والاحترام الدولي باعتراف البروفيسور "روبر مورتيمر"، أستاذ بجامعة "هارفارد" بالولايات المتحدةالأمريكية، الذي وصف السياسة الخارجية للجزائر لا سيما خلال العشرية الأخيرة ب"المبدعة". وعلى مستوى العلاقات الثنائية مع مختلف الشركاء، فقد عرفت الحركية الدبلوماسية للجزائر نشاطا متميزا من خلال الزيارات التي قامت بها وفود أجنبية عالية المستوى إلى بلادنا، كما هو الشأن للمسؤولين الأمريكيين الذين وصفوا الجزائر بالشريك الاستراتيجي في مجال مكافحة الإرهاب. كما تبقى القضايا العادلة في العالم من مسلّمات السياسة الخارجية للجزائر كما هو الشأن لقضيتي فلسطين و الصحراء الغربية. حيث تعمل الجزائر على حل القضية الأم وفق الأطر الإقليمية والدولية، منها المبادرة العربية أو القرارات الأممية، في حين تحرص الجزائر على إيجاد حل لقضية الصحراء الغربية التي تعد آخر مستعمرة في إفريقيا، حيث ظل الموقف الجزائري ينادي بحل في إطار الشرعية الدولية والقرارات الأممية، لاسيما تلك الصادرة عن مجلس الأمن الدولي الذي يعطي للشعب الصحراوي الحق في تقرير مصيره. ويمكن القول أن مواقف الجزائر الدبلوماسية تمتد جذورها إلى ما قبل الاستقلال من أجل النضال و التحرر. في الوقت الذي يرى فيه محللون أنه يتحتم على المشرفين عليها الاستمرار في نفس المسيرة في المستقبل لكن بطموحات أكثر وباستغلال الخبرات في هذا المجال.