احتفالا بستينية الثورة، بادرت الفيدرالية الوطنية للحرف إلى تنظيم معرض للصناعات التقليدية، احتضنته بلدية بوزريعة، وعرف مشاركة 26 حرفيا من مختلف ولايات الوطن، ونظرا للتنوع الكبير في المعروضات التي تباينت بين ‘البرنوس' و'القشابية' وصناعة السلالة والفخار والحلويات التقليدية، تحولت قاعة المعرض، رغم ضيق مساحتها، إلى فضاء مفتوح توافد عليه عدد كبير من المواطنين للفرجة والاطلاع على مختلف المعروضات. اختارت الفيدرالية الوطنية للحرف بوزريعة في إطار حملتها، للتعريف بالصناعات التقليدية، ولقيت المبادرة ترحيبا كبيرا من قبل سكان البلدية، خاصة أنه لم يسبق أن نظم بها مثل هذه المعارض، ومن خلال تجوال "المساء" في المكان، اتضح جليا أن الطلب ازداد على بعض المشغولات اليدوية التي تستجيب لبرودة فصل الشتاء، حيث كثرت الأسئلة حول ثمن بعض "البرانيس" و"القشابيات" المصنوعة من الصوف، وبعض الأواني المصنوعة من الفخار، على غرار "الطواجين " وبعض الأحذية والحقائب المصنوعة من الجلد. اقتربت "المساء" من بعض الحرفيين، لجس نبضهم حول واقع الصناعة التقليدية وحركة البيع، فكانت البداية مع الحرفية احدادن من ولاية تيزي وزو، اختصت في صناعة "الجبة القبائلية" والزرابي، حدثتنا قائلة بأن الحرفي لا يتوقف مطلقا عن العمل لأن حرفته مطلوبة على مدار السنة، بعدما مكنتنا الفيدرالية من الحصول على مساحات للعرض، وفيما يتعلق بي مثلا، خلال موسم الصيف، أختص في إعداد ‘الجبة القبائلية' الموجهة للعرائس، حيث يكثر عليها الطلب، وفي موسم الشتاء، أعمل على الترويج للزربية التقليدية القبائلية التي أصبح الإقبال عليها كبيرا في الآونة الأخيرة، لتحقيق غرضين وهما تزيين المنازل بديكور تقليدي، والتمتع بدفئها، وأعتقد أن المواطن بدأ بفضل المعارض التي نشارك فيها أصبح ، يعي أهمية الصناعة التقليدية المحلية، سواء من حيث النوعية أو الجودة. وغير بعيد عنها، حرص الشاب عبد القادر أوكيل، مختص في صناعة الزربية و"البرنوس"، على عرض مصنوعاته في أبهى حلة، بأحجام وأشكال وألوان مختلفة تباينت بين الأبيض والبني بمختلف تدرجاته، إلى جانب الأزرق، لتستجيب لكل الأذواق، حدثنا قائلا: "إن الحرفي النبيه هو ذلك الذي يحسن اختيار الموسم المناسب للترويج لحرفته، وبحكم موسم الشتاء، حاولت من خلال المعارض التي أشارك فيها مع الفيدرالية، تأمين عدد معتبر من "القشابات" و"البرانيس" التي أصنعها من الصوف بكميات وافرة ليتسنى للزبائن الحصول على ضالتهم، خاصة أن الإقبال على هذا النوع من الألبسة يعرف انتعاشا كبيرا في الآونة الأخيرة، بعدما أدرك المواطنون أهمية المنتوج المحلي. وهو نفس الانطباع الذي لمسناه عند الحرفي حميد ماغوغ، مختص في صناعة الأواني الفخارية، حيث قال؛ "إن الطلب على الأواني الفخارية يصبح كبيرا خلال هذا الوقت من السنة، أي بدءا من موسم الخريف إلى غاية انتهاء موسم الشتاء، وبحكم أن هذه الأواني مصنوعة من الطين، فإنها تضمن بنة الأكل ودفئه، كما يكثر الطلب على كل أنواع "الطواجن"، إذ تحبذ بعض النساء تحضير ‘الكسرة' و"المطلوع" و"المبرجة" عليها. وإذا كانت الزربية والأواني الفخارية و"القشابات" و"البرانيس" كحرف تقليدية مطلوبة في موسم الشتاء، فإن المشغولات الجلدية بدورها لا تقل عنها أهمية، ولها نصيب وافر من اهتمام الزبائن، وهو ما أكده رشيد زيري، حرفي في صناعة الجلود، قال بأن عددا كبيرا من المواطنين يقبلون على اقتناء الحقائب والأحذية المصنوعة من الجلد لتأمين الدفئ من جهة، ولأن مادة الجلد تمنع نفوذ مياه الأمطار، من أجل هذا، كحرفي، لا أملك مطلقا مشكلة في تسويق منتجي سواء في موسم الشتاء أو الصيف، خاصة بعد التسهيلات التي حصلنا عليها كحرفين من الفيدرالية التي تسعى جادة إلى تأمين أماكن عرض خاصة بنا على مدار السنة، من خلال التجول عبر مختلف بلديات العاصمة. هدفنا إنشاء مخزون استراتيجي للحرفيين "الحفاظ على التراث من خلال الترويج للمنتوج المحلي، والتعريف به عن طريق تمكين المواطن من الاحتكاك بالحرفة والحرفي، كلها أهداف نسعى إلى تحقيقيها"، يقول رضا يايسي، رئيس فيدرالية الحرفيين والصناعة التقليدية، مضيفا أن "الغرض من إطلاق سلسة من المعارض، وزيارة مختلف بلديات العاصمة، ليس فقط لإيجاد نقاط يتسنى للحرفي التعريف بمنتجه وتسويقه، وإنما نسعى أيضا إلى جلب الشباب الراغب في التعلم، حيث نقوم عقب المعارض بالإشراف على ندوات نقدم فيها جملة من التوجيهات للشباب الراغب في تعلم بعض الحرف، من خلال إطلاعهم على طرق الحصول على تكوينات وتمويلات وآفاق التسويق". ويواصل محدثنا قائلا: "هناك وعي بأهمية المتوجات التقليدية وضرورة الحفاظ عليها، وهذا راجع إلى إرادة الحرفيين القوية الذين ظلوا أوفياء لحرفتهم رغم ما يواجهونه من متاعب'، يقول يايسي، لذا يضيف، "حبذا لو تمكننا الجهات المعنية من إنشاء ما اسمه "مخزن استراتيجي" أو الذخيرة التي تحوي المادة الأولية لمختلف الحرف التقليدية، ليتسنى للحرفي الحصول على ما يرديه من المادة الأولية وبأثمان معقولة، فمن جهة، نمكّن الحرفي من العمل في راحة، وتحديدا أولئك الذين يحتاجون إلى النحاس والجلد والفضة، ويوفرون من ناحية أخرى منتوجا تقليديا محليا ذا جودة عالية وبأثمان معقولة، بالتالي نعيد الثقة للمستهلك في ما تنتجه الأنامل الجزائرية، ونضمن استمرارية الحرف التقليدية التي يعاني عدد كبير منها من عدة مشاكل، تحديدا صناعة الزربية و'القشابية' والنحاس والفخار والجلود".