لقي خمسة إسرائيليين حتفهم في عملية استشهادية استهدفت كنيسا يهوديا بمدينة القدسالمحتلة، في عملية نوعية تنفذها المقاومة الفلسطينية في المدينة المقدسة منذ عدة سنوات. وأكدت مصادر أمنية إسرائيلية أن العملية التي نفذت في حي تقطنه أغلبية من اليهود المتطرفين نفذها الفدائيان الفلسطينيان عدي وغسان أبو جمال، باستعمال أسلحة بيضاء ومسدس قبل أن يستشهدا تحت نيران جنود الاحتلال. وحسب مصادر فلسطينية فأن ابني العم الفدائيان من سكان جبل المكبر تمكنا من التسلل الى داخل الكنيس اليهودي بحي حار نوف الذي يقطنه منتمون إلى حزب "شاس" الديني المتطرف لحظة إقامة صلاة تلموذية قبل أن يقوما بعمليتهما الفدائية. وأضافت المصادر أن الأمر يتعلق بثلاثة إسرائيليين يحملون الجنسية الأمريكية وآخر يحمل الجنسية البريطانية، بينما أصيب تسعة آخرون بجروح وصفت حالات خمسة من بينهم بالحرجة جدا مما يرشح عدد القتلى للارتفاع لاحقا. وتعكس هذه العملية درجة الامتعاض الفلسطيني من كل الإجراءات القمعية التسلطية التي ما انفكت حكومة الاحتلال الإسرائيلي تفرضها على السكان الفلسطينيين وفق قاعدة "الضغط يولد الانفجار". وهي عملية نوعية تمهد دون شك لعمليات استشهادية لاحقة على اعتبار أن بنيامين نتانياهو، لم يتعظ من عمليات فدائية سابقة عكست هي الأخرى الشعور بالحيف من طرف شباب فلسطيني لم يعد يطيق السكوت على انتهاكات يومية لحقوقه، ولحرمة مقدساته ولم يكن من الممكن البقاء في موقع المتفرج على حيف أخذ أبعادا عنصرية. كما أن تنفيذ العملية في كنيس يحظى بإجراءات أمنية مشددة يشكل في حد ذاته رسالة قوية الى الوزير الأول الإسرائيلي، وأجهزته الأمنية بأن منطق "الكل الأمني" المنتهج بحقد موصوف ضد الفلسطينيين لا يمكنه أن يحل قضية حضارية ودينية وعقائدية. ولكن بنيامين نتانياهو، يصر على مثل هذه الحلول الانتحارية رغم اقتناعه أنها لن تسكت الصوت الفلسطيني الذي إن بح في فترات فإنه لا يلبث أن يعود جهوريا ويصرخ بأعلى صوته وعبر عمليات استشهادية تقول دائما أنني هنا ولن استكين أبدا. وراح نتانياهو أمس، بعد أن ضاق به الحل وأيقن فشل سياسته انه سيضرب بيد من حديد كل من وقف وراء عملية القدس، محملا كعادته حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي والرئيس محمود عباس، بالوقوف وراءها بدعوى تحريضهم على العنف. وجاءت عملية الكنيس اليهودي يوما فقط بعد العثور على المواطن الفلسطيني يوسف راموني، مشنوقا في مدينة القدس الغربية زعمت المصادر الأمنية الإسرائيلية انتحاره بينما شكك الطبيب الشرعي الفلسطيني وعائلته في تلك المبررات وأكدا انه كان سعيدا في حياته رفقة عائلته وابنيه. ولا يستبعد نتيجة لذلك أن تكون عملية الكنيس اليهودي انتقاما لعملية اغتيال يكون قد تعرض لها الشاب الفلسطيني من طرف يهود متطرفين وخاصة وانه عثر عليه في مستودع في القدس الغربية، حيث كان يشتغل كسائق حافلة للنقل العمومي. وقد استعاد الفلسطينيون من خلال جثة يوسف راموني، جريمة الاغتيال حرقا التي نفذها متطرفون يهود ضد شاب فلسطيني منتصف شهر جوان الماضي، مما أدى الى استشهاده متأثرا بالحروق التي التهمت جسده. وأكدت حركتا حماس والجهاد الإسلامي أن عملية القدس جاءت ردا على اغتيال الشهيد يوسف راموني، وردا على سلسلة الجرائم المقترفة من طرف الاحتلال ضد المسجد الأقصى. وطالبت قيادة حركة حماس بمواصلة مثل هذه العمليات للتعبير عن تذمرهم من الأوضاع التي يعيشونها. ولكن نتانياهو حاول ارتداء لباس الضحية عندما ندد بالمجموعة الدولية بسبب لا مسؤوليتها وعدم تحركها إزاء نداءات "التحريض والعنف" التي وجهها الرئيس محمود عباس ضد اليهود. وتناسى نتانياهو ووزراء حكومته الذين تنقلوا الى مكان وقوع العملية الاستشهادية الانتهاكات المتواصلة ضد مقدسات المسلمين في أولى القبلتين، وكان ذلك سببا في تراكمات واحتقان لم يتمكن الفلسطينيون التزام الصمت بشأنها وكان لابد لفتيل الحرب الدينية أن يشتعل ولا يتحمل مسوؤليته سوى نتانياهو. وبدلا من أن يقتنع أن الوضع بلغ خطا أحمر لا يجب تخطيه إلا انه تعمد تجاهل ذلك وراح يعطي تعليمات برفع الحظر عن السماح للمستوطنين بحمل السلاح بدعوى حماية أنفسهم وهو أخطر قرار يتخذه على اعتبار انه لن يزيد إلا في تعميق الأزمة ويدفع بها الى تعفّن أكبر. والمفارقة أنه في ظل هذا التصعيد فإن العواصم الغربية التي ما فتئت تحذّر من الانتهاكات اليومية للمستوطنين اليهود لأحد أقدس مقدسات المسلمين إلا أنها أبدت أمس، استكانة أمام إسرائيل بمجرد وقوع عملية القدس وراحت تندد بها وهي تعلم أن حكومة الاحتلال تتحمّل مسؤولية مباشرة في هذا التصعيد وما سيليه من عمليات لاحقة على اعتبار أن الفعل يجب أن ينتج رد فعل أقوى.