الهدف النهائي من المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط لم يكن ليخفى على أي متتبع لهذا الملف الخطير، ألا وهو إقامة دولة يهودية على ما أسمته الأدبيات الاسرائيلية والصهيونية المسيحية أرض الميعاد. فها هي سلطة الكيان الصهيوني تصادق على مشروع قانون "يهودية الدولة" الذي يعني بالضرورة الاستحواذ على القدس شرقه وغربه، وهدم الأقصى لبناء الهيكل المزعوم الذي سيصبح رمز إسرائيل، مع إبعاد كل المكونات غير اليهودية في هذا المجتمع العنصري. وإذا كان حظ دول الجوار أن اسرائيل لم تتمكن من تحقيق حلمها المتمثل في اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وهو الحلم الذي يعني اختفاء عدة دول عربية من الخارطة، فإن الخطر الذي يحدق بهذه الدول هو أنها ستصبح بالضرورة دول توطين للفلسطينيين فور تطبيق قانون التهويد. هذه المخططات لم تخف عن المتتبعين لهذه القضية، وحذّروا مرارا من مآلات السياسة الاسرائيلية خاصة في بعديها الاستيطاني والديني (العرقي) لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين أولا وعلى العرب والمسلمين ثانيا. ومن أجل تمرير الأطروحات الاسرائيلية لتهويد الدولة العبرية على أرض فلسطين - كل فلسطين - كان لابد من تهيئة الظروف وعلى رأسها تحييد القضية الفلسطينية عن بعدها العربي المتمثل في الصراع العربي - الاسرائيلي وهو ما نجحت فيه بالحروب الخاطفة التي تجر إلى المفاوضات التي وصفت اليوم بالعبثية، ثم إثارة الفتن العرقية والمذهبية والطائفية في البلدان العربية وفي مقدمتها دول الطوق التي تشهد اليوم صراعات ونزاعات مسلحة ومشاريع تقسيم طائفي وعرقي ومذهبي، كما أراد ذلك مهندسو الفوضى الخلّاقة في الشرق الأوسط. وكيف لا يحق لإسرائيل أن تعلن كيانها دولة يهودية وهي تعيش في محيط كثرت فيه تسميات الدويلات من حولها من دولة خلافة إلى دولة إسلامية إلى أخرى مذهبية، والتي هي في الحقيقة خدمة لمشروع الدولة العبرية، ومبرر لمشروع تهويد كل شبر من فلسطين السليبة، والآتي أدهى وأمر!