يرى المتدخلون خلال يوم دراسي حول العنف ضد المرأة، انتظم مؤخرا بالعاصمة، أن هذه الظاهرة المتنامية لن تجد طريقا لاجتثاثها من المجتمع إلا بغرس ثقافة متأصلة في النشء ينبذ كل أنواع العنف، لذلك من الضروري تكثيف حملات التوعية والتحسيس حول هذه الآفة على مدار السنة وليس في مناسبات وطنية أو عالمية. ولعل أبرز ما أوصى به المتدخلون؛ توعية المرأة نفسها بحقوقها حتى تدافع عن نفسها بموجب نصوص قانونية وشريعة ربانية وجدا لحمايتها وصون كرامتها. أطلق المرصد الجزائري للمرأة في 25 نوفمبر 2014، حملة وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة تحت شعار «هو لحماية هي»، وقالت رئيسة المرصد، السيدة الشائعة جعفري، بأن الحملة ستدوم سنة كاملة وتجوب ولايات الوطن «بغرض تأسيس ثقافة مجتمعية تناهض كل أشكال العنف.. هذه الظاهرة التي أصبحت لغة تخاطب في مجتمعنا». وأرجعت المتحدثة خلال يوم دراسي بمناسبة إحياء اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، تنامي هذه الآفة الاجتماعية إلى العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تستوجب الدراسة والتحليل من أجل إيجاد حلول واقعية لها، مضيفة أنه رغم تكريم أحكام ديننا الحنيف للمرأة، إلا أن الفهم الخاطئ لهذه الأحكام حال دون التطبيق الفعلي لها. وفي نفس السياق، أوضح السيد كمال شكات عضو المجلس الإسلامي الأعلى في مداخلته، أن مكافحة العنف ضد المرأة يبدأ عند المرأة وينتهي عند المجتمع، مما يعني أهمية توعية المرأة بحقوقها وواجباتها كما نصت عليها الشريعة الإسلامية، يمكّن المرأة من مواجهة كل أشكال العنف الذي قد يمارس ضدها، ومسؤولية المجتمع تكمن في تطبيق القوانين الرادعة للحد من استفحال هذه الآفة، «فالأصل في ديننا أن ضرب المرأة جرم يستوجب القصاص، ولابد أن تكون هناك سلطة تراقب هذا الأمر»، يقول الأستاذ الذي قدم محاضرة قيّمة تفاعل معها الحضور خلال اليوم الدراسي. واستدل الأستاذ شكات في مداخلته بالعديد من المواقف الواردة في السنة النبوية عن معاملة الرسول عليه الصلاة والسلام للنساء والأطفال، وكذا بعض الآيات القرآنية التي يتأسف عن تفسيرها الخاطئ الذي ألصق بها على نحو «الرجال قوامون على النساء..» أو «.. فاضربوهن»، مشيرا إلى أنه لا يمكن الأخذ بآية دون الرجوع إلى سياق نزولها وأحكامها، مبينا أن الإسلام حرص على إعطاء المكانة اللازمة للمرأة، ومن ذلك أن أقصى ما يمكن للرجل فعله هو ضرب المرأة بعود الأرك (أي عود السواك)، لمعالجة نشوز الزوجة الذي يكون في آخر المراتب بعد النصح والهجر في المضجع، «والضرب هنا حكمه حكم أكل الجيفة عند الضرورة القصوى حتى لا يؤدي الفرد بنفسه إلى التهلكة، غير أن الذي نراه اليوم مخالف تماما.. حيث استفحلت قضايا ضرب المرأة والاعتداء عليها.. والأصل في الشريعة أن تقتص المرأة من الرجل الذي ضربها بحد القصاص، وهنا ندعو إلى توعية المرأة لتعرف ما لها وما عليها وتحمي نفسها بنفسها». من جهته، يرى الأستاذ علي بوخلخال، قاض سابق، أن العنف ليست جريمة، لأن هذه الأخيرة تخص القضاء للمتابعة والعقاب، لكن العنف قضية مجتمع وآفة اجتماعية وظاهرة سلبية كامنة في كل الأوساط، وستبقى إن لم تكن فيه ثقافة مجتمع، وتربية جيل لاجتثاثها كلية.. إذ لا يمكن وضع شرطي وراء كل فرد، وعليه لا بد من التفكير الجدي في القيام بحملات توعوية وتحسيسية بخطر هذه الآفة الاجتماعية التي تستمر على مدار الأيام والأشهر ولا تكون فقط في مناسبات عالمية أو وطنية لجذب الأنظار وحديث الإعلام. من جهته، دعا السيد أحمد شنة، رئيس أكاديمية المجتمع المدني، إلى ضرورة تكثيف الجهود والتنسيق بين مختلف المصالح لحماية المرأة المعنفة، خاصة تلك التي تتخذ خطوة التبليغ عن المُسيئين لها حتى لا تقع ضحية ممارسات انتقامية يمكن أن تهدد حياتها لاحقا، وكشف عن أن تنظيم حملة «هو لحماية هي» يأتي في سياق الجهود التي تبذل لمواجهة آفة اجتماعية باتت تنعكس على واقع الأسرة الجزائرية، ويكون الأطفال أولى ضحاياها بعد الأم المعنفة. والجدير بالإشارة إلى أنه قدمت إحصائيات خلال الملتقى، توضح أن قرابة 7 آلاف امرأة كن ضحية مختلف أنواع العنف خلال 9 أشهر الأولى من السنة الجارية، مع الإشارة إلى أن هناك «رقما أسود» آخر بالنظر إلى أن الإحصائيات تخص فقط النساء اللائي قمن بإيداع شكوى ضد المعتدي عليهن.