بادرت الجمعية الثقافية «تيفاوت تزيري» (ضوء القمر للحفاظ على الأصالة والتراث) بأدرار إلى إصدار الجزء الأول من مؤلف يحمل عنوان «من ديوان الأهليل» وذلك سعيا لتوثيق هذا التراث العالمي اللامادي. يعد هذا الكتاب ثمرة جهود ميدانية تواصلت على مدى خمس سنوات، بذلها أعضاء الجمعية لنقل أهليل من الصفة الشفهية إلى التدوين من خلال جمع قصائد إيزلوان أهليل عبر مختلف مناطق إقليم قرارة، وذلك بمساعدة شيوخ أهليل والمهتمين بهذا التراث الأصيل، علما أن الجمعية وقفت على مدى التناقص الذي تعانيه الذاكرة الحية نتيجة رحيل أو مرض عدد من شيوخ هذا التراث العريق. للإشارة، فقد اعتمدت الجمعية في هذا العمل على الدراسات السابقة في هذا المجال إلى جانب إبراز مختلف المجالات والأغراض التي يتناولها أهليل على غرار المدائح الدينية والتغني بفضائل ومناقب الأولياء الصالحين، إضافة إلى سرد مختلف شؤون الحياة اليومية ومناسباتها المعروفة بمنطقة قرارة. لقد ساهم الشيخ الحاج بركة فلاني بقدر كبير في إنجاح هذا العمل الثقافي بفضل حفظه وسرده للعديد من قصائد أهليل ومن ثمة تدوينها من طرف الجمعية كمرحلة أولى ليتم بعدها وضع عدة فصول لهذا الكتاب. تناولت الفصول الثلاثة للكتاب نبذة عن الخصوصية الجغرافية لمنطقة قرارة ودراسة عامة لتراث أهليل من حيث المصطلح، إلى جانب التطرق إلى المدارس الشعبية المهتمة بتلقين هذا التراث ونقله عبر الأجيال وتنوع أساليبه حسب كل مدرسة، تبعا لانتشارها عبر إقليم قرارة. فيما يتعلق بالجانب الكوريغرافي، فقد تناول الكتاب الأشكال الوضعية لأداء أهليل بين وضعية الوقوف والجلوس (تقرابت) والتعريف بالآلات المستعملة في أدائه، إضافة إلى إبراز السيرة الذاتية للشيخ بركة فلاني وجهوده في المحافظة على رسالة الأجداد ونقلها للأجيال من خلال الأداء والتلقين. يتكون الجزء الأول من هذا الكتاب من القطع المتوسط من 320 صفحة، نشرت به حوارات وصور وسير ذاتية لشيوخ وأعلام أهليل. وتعتزم الجمعية مواصلة جهودها لنشر مجموعة تتكون من ثلاثة أجزاء حول هذا التراث. بالمناسبة، لقيت هذه المبادرة تشجيعا من طرف الباحثين ومن سكان المنطقة، الأمر الذي يدفع إلى مواصلة هذا الجهد. ومن جهة أخرى، أكد أساتذة وناشطون من مختلف جامعات الوطن في ندوة علمية خاصة بفن الأهليل بتميمون، تزامنت مع فعاليات المهرجان الوطني لهذا الموروث الثقافي الشفهي المعبر عن منطقة قرارة ولهجتها الزناتية، على ضرورة نفض الغبار عن هذا التراث وترقيته كونه يحمل عدة مؤهلات عالمية، والاهتمام حسب هؤلاء يعني تدوينه وتصويره وطبعه ونشره عبر العالم، ويتمثل هذا الفن في قدرة الأداء وقوة التركيب المؤثر على الوجدان إلى درجة أنه أصبح أداة علاج فعالة. وفي نفس السياق، كرمت فرق فائزة تابعة لعدة جمعيات تراثية بالمراتب الأولى في مسابقة أحسن أداء قصائد أهليل المشاركة في الطبعة الثامنة من المهرجان الوطني لهذا التراث الذي أسدل الستار مؤخرا على فعالياته بالواحة الحمراء تيميمون بشمال أدرار. وعلى مدى أربعة أيام من هذا الحدث التراثي، قدمت الفرق التابعة لعدة جمعيات تراثية من إقليم قرارة أفضل ما لديها من عروض في أداء قصائد أهليل من خلال أصنافه الثلاثة «المسرح» و«الأوقروتي» و«الثران» أمام لجنة تحكيم المهرجان لتقييم هذه الأعمال والتي تتشكل من فنانين وموسيقيين وشيوخ أهليل، وفق معايير تتعلق بالانسجام والالتزام بقانون المسابقة وطريقة العزف على الآلات. وقد خلصت المنافسة التي زادت حدتها مع مرور كل ليلة من ليالي المهرجان التي شهدت إقبالا واسعا للجمهور، إلى الفوز بالمراتب الثلاث الأولى في صنف الأكابر على التوالي لكل من فرق «إثران، قورارة للثقافة والإبداع» (بلدية تيميمون) و«التراث في أمان» (بلدية أولاد سعيد)، إلى جانب «كوكب الجنوب» (بلدية شروين). أما المراتب الثلاث الأولى في صنف الأشبال، فقد عادت على التوالي لكل من فرق «إثران قرارة للثقافة والإبداع (تيميمون) و«التراث في أمان» (بلدية أولاد سعيد)، إضافة إلى فرقة «تيفاوت أن إيثران» النسوية (بلدية دلدول). كما عرف حفل اختتام هذه الفعاليات التراثية، تكريم روح الشيخين الراحلين برماتي مبارك وبن علال محمد سالم، باعتبارهما من أبرز رواد تراث أهليل، إلى جانب تكريم كل من العازف على آلة تامجة، بابا محمد من بلدية أولاد سعيد والعازف على آلة البانقري، قصبالي الهامل من بلدية تيميمون. وقد نظمت محافظة المهرجان على غرار مختلف الطبعات الماضية، مسابقة بين 30 فرقة ضمت 750 مشاركا تابعة للجمعيات التراثية المتواجدة ببلديات إقليم قرارة حول أحسن أداء لقصائد أهليل وأحسن عزف على الآلات المستعملة في تقديمه على غرار آلتي «تامجة» و«البانقري»، حيث قدمت عروضها طيلة أربع سهرات من فعاليات هذا المهرجان. جدير بالذكر أن الطبعة الثامنة للمهرجان الوطني لأهليل، نظمت ندوة علمية حول «مدونة أهليل»، أطرّها باحثون وأساتذة من مختلف جامعات الوطن، توّجت بعدة توصيات حثت على المحافظة على هذا التراث الأصيل.