المفارقة التي يعيشها العالم اليوم هو أنه ساهم في انتشار الإرهاب منذ أن حمل شعار محاربته، والمفارقة الأكبر هو أن هذا العالم يدعم الإرهاب في مناطق ويحاربه في مناطق أخرى. هذا التناقض أو هذا الكيل بمكيالين ليس غريبا عن سياسة هذه القوى الاستعمارية السابقة التي تنادي بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه من جهة وتعمل على احتلاله بالسلاح واقتراف جرائم إنسانية في حقه واستغلال ثرواته متحججة بالعمل على تمدينه وأنسنته من جهة أخرى، وهي الأسطوانة التي مازلنا نسمعها حتى اليوم، حيث تحاول هذه القوى تبرير، بل تمجيد ماضيها الاستعماري. فالاستعمار الذي انتهج سياسة فرق تسد في السيطرة على الشعوب، ها هو اليوم كاستعمار جديد يعمل على خلق بؤر التوتر في المستعمرات القديمة التي خرج منها بقوة السلاح للعودة إليها من بوابة الإرهاب التي جعل منها سجلا تجاريا لإقامة قواعد عسكرية، وأحلاف عسكرية إما لغزو أو لمواجهة خطر واقعي، أو مفتعل، أو وهمي، تنتعش معه الصناعات الحربية التي لا يمكن أن تزدهر إلا في ظل النزاعات المسلحة بين الدول وهذا مجال صفقات الأسلحة المعلنة أو داخل المجتمع الواحد وهذا مجال بيع الأسلحة في السوق السوداء التي أصبحت أكثر مردودية من صفقات السلاح الرسمية. انتشار رقعة الإرهاب معناه أن القوى الإستعمارية تضمن تدخلها حيث يروق لها ذلك وقد أوجدت لذلك قوانين محلية ودولية للتدخل، حيث يظهر الخطر دون استئذان ولا إخطار، وهذا تدخل في شؤون الدول الداخلية من بوابة اسمها مكافحة الإرهاب، الذي دعمته هذه القوى ووزعته وضمنت له مصادر التمويل وأعطت العقول المدبرة حق اللجوء السياسي تحت شعار احترام حقوق الإنسان ، وحولته إلى آلة للدوس على هذه الحقوق وبأبشع الصور. وليس أدل على ذلك من أن الإرهاب لم يتفق على تعريفه وبقى مفهوما فضفاضا يطلق على الحركات التحررية عند اللزوم ويرفع عن الجماعات الإرهابية عندما تكون الحاجة إليها ضرورية لتمرير المشاريع التدميرية وبقي إلى اليوم موضوع وجهة نظر!