وقّعت الحكومة المالية والجماعات السياسية - العسكرية لشمال مالي، أمس، بالأحرف الأولى، على اتفاق سلام بين الطرفين. كما وقّع فريق الوساطة الدولية الذي تقوده الجزائر، على هذا الاتفاق بحضور ممثلين عن الحكومتين الأمريكية والفرنسية، وذلك في انتظار التوقيع النهائي على الاتفاق بالأراضي المالية نهاية شهر مارس الداخل، حسب تقديرات مصادر من وزارة الخارجية. وقد أوكلت رئاسة لجنة متابعة تنفيذ الاتفاق للجزائر؛ باعتبارها تقود منذ أشهر الوساطة الدولية لحل أزمة مالي، في حين أجمعت المجموعة الدولية التي حضرت مراسم التوقيع، على الاتفاق بفندق الأوراسي، على مرافقة كافة الجهود من أجل تحقيق السلم والأمن والمصالحة في هذا البلد الشقيق. وفي هذا السياق، أكد وزير الشؤون الخارجية السيد رمطان لعمامرة، أن توقيع الأطراف المالية بالأحرف الأولى على اتفاق السلام، يُعد يوما تاريخيا، واصفا الوثيقة الموقّع عليها "باتفاق يفتح آفاقا واعدة من أجل مستقبل أفضل لكافة الماليين". مرحلة نوعية للتغلب على الصعوبات وأوضح لعمامرة أن "هذا اليوم التاريخي يُعد مرحلة نوعية باشرتها مالي، للتغلب على الصعوبات، والتوجه نحو السلام"، مضيفا أن مسار الجزائر سيكون منقوشا في الذاكرة الدبلوماسية الدولية؛ من منطلق أنه من النادر رؤية المجموعة الدولية تجتمع في مثل هذا المحضر. وإذ أقر بعدم كمال الوثيقة باعتبار أن الجهد الإنساني تعتريه النقائص، فإن رئيس الدبلوماسية الجزائرية أكد في تقييمه للوثيقة، بأنها نتيجة جهد لإيجاد التوافقات الممكنة. ولم يقلّل السيد لعمامرة من موقف أعضاء تنسيقية حركات الأزواد من مسار الجزائر رغم عدم توقيعها على الوثيقة؛ لرغبتها في استشارة قاعدتها الشعبية، مضيفا أنه يتفهم صعوبة اتخاذ القرار الآن؛ كونه لا يعدو أن يكون طموحا من أجل تعبئة أكبر عدد ممكن من مواطني الأزواد للالتفاف حوله. تنسيقية الأزواد طلبت مهلة لحشد المزيد من الدعم وأوضح وزير الشؤون الخارجية أن تنسيقية حركات الأزواد طلبت مهلة لحشد المزيد من الدعم لهذا الموقف المؤسس لاستعادة السلم نهائيا في مالي، مضيفا في هذا الصدد: "أدرك أن المهلة التي طلبوها ويحق لهم الحصول عليها، ليست طريقة لإنكار هذا العمل المشترك الذي أنجزناه معا بحسن نية ومثابرة، وفي ظل الاحترام المتبادَل". وأضاف أن هذا التريث المستمَد من ثقافتهم الأصيلة إنما ينمّ عن احترام من فوّضوهم، و"ليس تراجعا عن هذا المسعى الجماعي". وحول هذه النقطة، أكد الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير الأزواد بلال أغ شريف (ممثل تنسيقية حركات الأزواد) في تصريح للصحافة، أن الحركة استقبلت وثيقة الاتفاق ب "جدية"، مشيرا إلى ضرورة إعطائهم الوقت لدراسة هذه الوثيقة؛ كون الوقت لم يسمح بذلك. وقد أعرب السيد لعمامرة عن قناعته بأن يتم التوقيع على الاتفاق من قبل كافة الأطراف، داعيا، في هذا الصدد، إلى العمل لجعل ذلك ممكنا؛ قصد التوصل إلى الطموحات المنشودة، في حين أكد مواصلة العمل في إطار لجنة المتابعة من أجل مرافقة الأشقاء الماليين. كما عبّر عن الاستعداد الكامل للجزائر من أجل السير في نهج السلم؛ باعتبارها مرت بظروف صعبة، واستطاعت، بفضل قانون المصالحة الوطنية، أن تستعيد أمنها واستقرارها، على غرار بلدان إفريقية أخرى، داعيا، في هذا السياق، إلى ضرورة الاستفادة من تجارب هذه الدول. وأشار إلى أن "مسار الجزائر نراه بكل تواضع كبرهان لمبدئنا المكرس لإيجاد حلول إفريقية بمساعدة المجموعة الدولية". من جهته، أكد وزير الشؤون الخارجية المالي السيد عبدواللاي ديوب، أن التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام في مالي، جاء تتويجا للشجاعة السياسية للأطراف المالية المشاركة في مسار الجزائر، مشيرا إلى أن الوثيقة "تكرّس شروط تحقيق طموحاتنا بالنسبة لمالي (...) وتشكل أساس السلم والأمن والاستقرار والديمقراطية". الوثيقة تحمي السيادة الوطنية لمالي ورغم إقراره بأن الاتفاق "غير كامل" ويتسم بالوضوح والاتزان كونه ليس فيه "غالب ولا مغلوب"، إلا أن رئيس الدبلوماسية المالية أكد أن الوثيقة "تحمي السيادة الوطنية لمالي وسلامتها الترابية والطابع الوحدوي والجمهوري واللائكي؛ حتى يبقى البلد موحدا". وفي المقابل، جدّد التزام حكومة بلاده للذهاب إلى السلم، موضحا أن "الحكومة المالية اختارت السلم والحل الوسط السياسي من أجل حل دائم"، في حين أكد أن الحكومة "عازمة على تطبيق التزاماتها وبنيّة حسنة"، داعيا "الأطراف الأخرى إلى تبنّي نفس السلوك". كما دعا المجتمع الدولي إلى "تكثيف جهوده لبلوغ كل أهداف الاتفاق". من جانبه، أكد منجي الحامدي الممثل الأممي الخاص لمالي ورئيس بعثة الأممالمتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، أن التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام والمصالحة الوطنية المنبثق عن مسار الجزائر، يمثل قاعدة متينة لإرساء سلم مستدام ومصالحة وطنية. وأوضح السيد الحامدي أن "الاتفاق وإن كان لا يستجيب لكل الطلبات ولا يرضي كافة الأطراف، إلا أنه يقوم على التوازن، ويمثل قاعدة جيدة لإرساء سلم مستدام والمصالحة"، مضيفا أن نجاح الاتفاق مرهون بقدرة الأطراف على تجاوز الحواجز الإيديولوجية والثقافية والسياسية وخدمة قضية مشتركة، هي السلام؛ باعتباره عامل الاستقرار والتقدم والتنمية. أما الممثل السامي للاتحاد الأوروبي من أجل الساحل ومالي ميشال ريفران دو لا منتون، فقد وصف الاتفاق بالواقعي والبراغماتي من أجل عودة السلام والاستقرار في مالي والمنطقة، مضيفا أن المجتمع الدولي لاسيما الاتحاد الأوروبي، رافق مالي، وسيستمر في مرافقته إلى حين عودة السلام والاستقرار في هذا البلد. من جهته، دعا ممثل منظمة التعاون الإسلامي محمد كومباوري الأطراف المالية إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية؛ من أجل التطبيق الفعلي للاتفاق ميدانيا بالتحلي بحسن النية و الصدق، في حين أشاد ممثل الاتحاد الإفريقي من أجل الساحل ومالي بيار بويويا، بهذه المرحلة الحاسمة من مسار الجزائر بالرغم من المفاوضات الصعبة والحساسة. وأكد بويويا أن "الاتحاد الإفريقي سيضع كل خبرته تحت التصرف لمرافقة الماليين في تسهيل تطبيق هذا الاتفاق من أجل عودة السلام والاستقرار في مالي". من جهت، أشاد ممثل المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب إفريقيا شياكا عبدو للوتي، بالتزام الحكومة والشعب الجزائري من أجل عودة السلام في مالي، معبرا عن امتنان هذه المنظمة القارية للرئيس على كل جهوده من أجل السلام في إفريقيا. كما أجمع ممثلو التشاد، النيجر، موريتانيا ونيجيريا على ضرورة تجاوز الصعاب، مع دعوة الأطراف التي لم توقّع على الاتفاق، للالتحاق بها من أجل نصرة الشعب المالي، مضيفة أن التوقيع على هذه الوثيقة يُعد مفتاحا من أجل التطلع إلى آفاق جديدة لاستتباب السلم والأمن النهائي في مالي.