كشف محافظ بنك الجزائر، محمد لكصاسي، أول أمس، عن الخطوط العريضة لنموذج جديد لتمويل النمو الاقتصادي يعتمد على تمويلات بنكية أكثر حضورا ونجاعة، وذلك في سياق تقلص الموارد المالية للدولة الناجم عن تدني أسعار النفط. ودعا رؤساء البنوك إلى رفع حجم القروض "النوعية" الموجهة لتمويل الاستثمار المنتج ودعم التنافسية الخارجية للجزائر. كما تحدث عن تطبيق نموذج جديد لاختبار قدرة البنوك على التصدي للصدمات. حرّكت الوضعية المالية للجزائر بعد تدهور أسعار النفط منذ نهاية سنة 2014، محافظ بنك الجزائر، الذي جمع رؤساء البنوك الذين تم تعيينهم مؤخرا، من أجل إعطاء توجيهات تصب في اتجاه إقحام هذه الهيئات المالية أكثر في تمويل الاقتصاد الوطني، ودعم الاستثمارات المنتجة التي من شأنها الرفع من قدرات التصدير الجزائرية خارج المحروقات، فضلا عن تحسين النمو الاقتصادي للبلاد بعيدا عن العائدات النفطية. واستغل السيد لكصاسي، تقديمه عرضا حول "استقرار الاقتصاد الكلي بالجزائر والتمويل البنكي للنمو" للحديث عن مخطط جديد هو عبارة عن "خارطة طريق"- كما قال- تمليها ضرورة الوصول إلى تحقيق نمو ب7 بالمائة في آفاق 2019، حسب الهدف المنشود من الحكومة. وحسب المحافظ فإن المخطط -الذي سيتم إثراؤه تدريجيا بمشاركة البنوك- سيأخذ بعين الاعتبار انعكاسات الصدمة الخارجية التي تتحمّلها الجزائر على إثر الانخفاض الحاد والمستمر لأسعار النفط، من خلال الاستفادة من التراكمات المالية المسجلة. وأعطى بالمناسبة توجيهات لرؤساء البنوك أولها ضرورة رفع حجم القروض "النوعية" الموجهة لتمويل الاستثمار المنتج ودعم التنافسية الخارجية للجزائر، خاصا بالذكر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج إلى قروض أكثر نجاعة. حيث لاحظ أنه بالرغم من الديناميكية المسجلة منذ 2013، في مجال منح القروض، إلا أن هيكلة تمويل الاستثمار بالجزائر تكشف عن مستوى جد مرتفع للتمويل الذاتي. وبالأرقام أشار إلى أنه خلال السنوات التسع الأخيرة موّلت 84 بالمائة من الاستثمارات بالجزائر - وهي بالأساس استثمارات الدولة وسوناطراك - تمويلا ذاتيا، فيما بلغ التمويل الذاتي في الاستثمارات خارج المحروقات نسبة 7ر59 بالمائة خلال نفس الفترة. واستنتج من هذا أن الاقتصاد لم يستفد من ادخار المؤسسات والعائلات الذي عرف تزايدا مستمرا خلال السنوات الأخيرة. وقصد تدارك هذا الخلل دعا السيد لكصاسي، البنوك إلى بذل مجهودات أكبر لجمع الموارد وتخصيصها بقدر أكبر لتمويل الاستثمارات. وقال "في سياق الفارق الجديد بين الادخار والاستثمار يجب إحداث دعم أكبر للصادرات" قصد تفعيل النمو. وضمن توجيهاته، طالب البنوك بأن تكون "دائمة المبادرة"، وأن ترفع -على سبيل المثال- معدل الفوائد على الادخار لجعله أكثر جاذبية، مع مراعاة تطبيق القواعد الاحترازية، معبّرا عن قناعته بأن دخول الإجراء الاحترازي الجديد لبنك الجزائر حيّز التنفيذ منذ 2014، سيسهم في توازن القروض وجعلها أكثر نجاعة. وقال كذلك إنه يتعين على البنوك تطوير منتجات مالية مستقطبة وتحسين خدماتها المصرفية الأساسية الموجهة للأسر. وكشف السيد لكصاسي، في نفس السياق عن تطبيق نموذج جديد لاختبار قدرة البنوك على التصدي للصدمات -منذ مطلع السنة الجارية- يأخذ بعين الاعتبار مخاطر القرض والسيولة وسعر الصرف. وأضاف أن البنوك الناشطة في الساحة ستخضع لهذه الاختبارات بالغة الأهمية. وقال في السياق إنه سيعمل ابتداء من جويلية المقبل، على إخضاع البنوك إلى "امتحان القلق" قصد تقييم قدرة تحمّل الصدمات في حالة أزمة. وسيسعى بنك الجزائر من جهة أخرى إلى تطبيق إجراءات جديدة خلال السنة الجارية، تخص دفع سوق الصرف ما بين البنوك وترقية تغطية البنوك لزبائنها على المدى الطويل، وهو ما سيسمح بعودة البنوك تدريجيا إلى عمليات إعادة التمويل لدى البنك المركزي. كما أن دخول "مركزية المخاطر" -التابعة لبنك الجزائر- حيز التنفيذ "قبل نهاية السنة الجارية" سيشكل أداة أخرى للتحكم في تسيير المخاطر وتعزيز الاستقرار البنكي بالجزائر"، كما أكد السيد لكصاسي. ورغم تراجع الموارد المالية استبعد بنك الجزائر، رفع إجراء منع المؤسسات الجزائرية من الاقتراض من الخارج الذي دخل حيز التنفيذ منذ 2009، في سياق البحبوحة المالية، حرصا على تفادي الاستدانة الخارجية للجزائر. وأشار بنك الجزائر، إلى أن المستوى المنخفض تاريخيا للمديونية الخارجية (7ر3 مليار دولار في أواخر 2014)، من شأنه أن يساهم في التخفيف من حدّة الصدمة الخارجية في 2015. من جانب آخر توقع البنك العالمي، في تقريره النصف سنوي حول التوقعات الاقتصادية العالمية الذي نشر أول أمس، نسبة نمو للجزائر ب6ر2 بالمائة سنة 2015، وب4 بالمائة سنتي 2016 و2017. وانخفضت بالتالي توقعات البنك للجزائر التي نشرت في جانفي الماضي، والتي توقّعت نسبة نمو ب3ر3 بالمائة لسنة 2015، لكنها بالمقابل ارتفعت بالنسبة للسنتين القادمتين لتنتقل نسبة النمو إلى 9ر3 بالمائة سنة 2016، (مقابل 5ر3 بالمائة في توقعات جانفي الماضي)، و4 بالمائة سنة 2017 (مقابل 5ر3 بالمائة). وتلتقي توقعات البنك العالمي مع تقديرات صندوق النقد الدولي، الذي توقع للجزائر نموا إجماليا ب6ر2 بالمائة سنة 2015، و9ر3 بالمائة سنة 2016. من جهة أخرى حذّر تقرير البنك من أثر انهيار أسعار البترول على اقتصاديات الدول المصدّرة للنفط. وقال في عرضه لتوقعات النمو في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، إن انخفاض أسعار النفط "يطرح مشكلا خاصا بالدول المصدّرة للنفط والتي تواجه معظمها إما مشاكل أمنية (ليبيا، العراق واليمن)، أو مشاكل متعلقة بمحدودية القدرة على التعافي اقتصاديا (إيرانوالعراق).