مازالت تداعيات الازمة الجورجية الاخيرة والمواقف الدولية التي اعقبتها والمقاربات التي افرزتها تلقي بظلالها على الوضع في كل اوروبا بل والعالم بعد ان اخذت ابعادا دولية قد تعيد النظر في العديد من قضايا الوضع القائم الذي تكرّس منذ نهاية فترة الحرب الباردة. ويخشى الكثير من المتتبعين ان تؤدي الازمة الجورجية الاخيرة الى اشبه بلعبة سقوط "احجار الدومينو" لتمس في حركية سقوطها كل دول القوقاز الاخرى التي تعيش اوضاعا مشابهة لوضع جورجيا وخاصة ما تعلق بالنزاعات الانفصالية التي تميز كل دول منطقة القوقاز. وقالت وزيرة الخارجية الجورجية ايكا تكيشلاشفيلي التي حلت بالعاصمة التركية حيث بدأت تحركات دبلوماسية مع دول الجوار لتوضيح موقف بلادها، أن دولة أوكرانيا قد تكون حجرة الدومينو القادمة التي ستسقط بسبب مواقفها المعادية لروسيا وبما قد يدفع بالسلطات الروسية الى الاعتراف بانفصال منطقة القرم الرافض سكانها للسيادة الاوكرانية. وكانت الوزيرة الجورجية تشير من خلال مقاربتها الى قرار موسكو الاعتراف بجمهوريتي ابخازيا واوسيتيا الانفصاليتين عن جورجيا قبل اسبوع وسط ضجة غربية كبيرة. وجاءت تصريحات المسؤولة الجورجية في ظل تحاليل لخبراء مختصين في العلاقات الدولية أكدوا من خلالها أن روسيا بإقدامها على مهاجمة جورجيا تكون قد قامرت في إطار مغامرة غير محسوبة العواقب لمواجهه الضغوط الأمريكية والأوروبية، مؤكدين أن ذلك كان الخيار الأوحد أمام موسكو وهي لذلك تبقى مضطرة للذهاب بعيدا في قبضتها مع العواصمالغربية لكسر قاعدة نظام العلاقات الدولية التي سيطرت عليها الولاياتالمتحدة وسعت الى رسمها وفق ما يخدم مصالحها كقطب واحد. وقال خبراء دوليون أن موسكو وجدت في الهجوم الجورجي على اوسيتيا الجنوبية الذريعة المناسبة للقيام بعملها العسكري ضدها ولتأكيد موقفها من الوضع العالمي الراهن وبهدف تعكير أجواء النظام الدولي الحالي بل انها ذهبت بعيدا في قبضتها عندما قررت الاعتراف بجمهوريتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية. ولكن متتبعين أكدوا أن السياسة الروسية لا تخلو من مخاطر محدقة بها وخاصة وأن عدة مجاهيل تبقى قائمة حاليا دون إجابة وخاصة حول مدى تقبل دول العالم الاخرى لقرار موسكو الاعتراف باستقلال جمهوريتين انفصاليتين وماهي حقيقة القوة الروسية على الساحة الدولية التي تمكنها من تغليب موازين القوى بكيفية تتكافئ فيها المصالح بدلا من ميلها كلية الى جانب الولاياتالمتحدة. وهل ان روسيا قادرة في الظرف الراهن على الدخول في تنافس مفتوح مع الدول الغربية قد يتحول مع الوقت الى مواجهة حقيقية وخاصة بعد اتساع دائرة الحديث عن عودة الحرب الباردة من جديدة بمعطيات ومقاربات تختلف اختلافا جذريا عن تلك التي حكمت الحرب الباردة خلال صراع القطبين لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. كما ان دول العالم الأخرى ستجد صعوبة كبيرة في الانحياز الى جانب هذا الطرف او ذاك في ظل نظام العولمة الذي تكرست قواعده في تعاملات كل دول العالم واصبحت معها القوة الاقتصادية هي العامل الضابط للعلاقات الدولية الجديدة. ويراهن العديد من المتتبعين على القمة الاوروبية التي تنطلق اشغالها اليوم بالعاصمة البلجيكية للحكم على مواقف الدول الاوروبية المؤيدة والمعارضة للموقف الروسي وحتى الجورجي بعد ان تبادلت موسكو وتبليسي التهم حول المتسبب في اندلاع الأزمة الراهنة وتداعياتها التي طالت كل القارة الاوروبية وبدا صداها ينتقل تدريجيا الى خارجها. وكانت العديد من الدول الاوروبية الفاعلة طالبت السلطات الروسية باحترام السيادة الترابية لجورجيا في اشارة واضحة الى ضرورة اعادة موسكو النظر في قرارها القاضي بالاعتراف باستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية. ويبقى مثل هذا الطلب صعب التجسيد ان لم نقل مستحيلا من منطلق أن السلطات الروسية عندما اتخذته لم يكن في نيتها التراجع عنه اسبوعا من بعد اعترافها بهما بالنظر الى ميزان الربح والخسارة في عملية من هذا الحجم.