خريجة الجامعة الجزائرية تخصّص هندسة مدنية، بعد معاناة من البطالة، اتجهت للتعليم لتجد نفسها مجبرة لا مخيرة لاقتحام العمل النقابي لتتكوّن بالضرورة بعدها في هذا المجال وتدخل خبايا التعامل مع مشاكل ونزاعات العمل والعمال، وهمّها في ذلك الدفاع عن الطبقة الكادحة، شغلت منصب نائب مدير لثلاثة أشهر لتفتك بعد انقضاء هذه الفترة وعن جدارة وبتأييد من مسؤوليها منصب مديرة المعهد الوطني للدراسات والبحوث النقابية المتواجد بالعاشور وهذا رسميا منذ الفاتح فبراير 2014 لتكون بذلك أوّل إمرأة تحظى بشرف إدارة معهد يكتسي قدرا كبيرا من الحساسية والأهمية... إنها السيدة "فضيلة قجور" التي استقبلتنا في مكتبها وكان لنا معها هذا الحوار حول مهامها كمديرة والدور الذي يلعبه المعهد في مجال التكوين والصدى الذي بلغه وطنيا وعربيا وإفريقيا. ❊❊ المساء: حضور المرأة الجزائرية في العمل النقابي عندنا يكاد يكون منعدما أو لنقل محتشما؟ فكيف تمكّنت كامرأة من الحصول على منصب مديرة لمعهد هام يكوّن إطارات قيادية (رجالية) نقابية؟ ❊ فضيلة قجور: صراحة لم أبحث عن المنصب ولم أسع إليه يوما، مسؤولي في العمل السيد "الهاشمي بلموهوب"، الأمين الوطني المكلّف بقسم التربية والتكوين هو من رشّحني لهذا المنصب تقديرا لمساري النقابي الذي كلّه عمل وإصرار وتحد.. فنضالي النقابي ليس وليد اللحظة وطبعا أرى أن شغلي منصب مديرة لمعهد هام يكوّن إطارات قيادية لمؤسّسات وطنية لها وزنها، شرف كبير وثقة أعتز بها وأسعى كامرأة وإطار سام أن أكون في مستواها... فأنا أضع نصب عيني دائما مصلحة العامل المكافح الكادح التي تكمن في راحته وإنصافه وإعادة الاعتبار له ومصلحة الوطن التي تتجلى في أمنه واستقراره وهذه مسؤولية جدّ ثقيلة، والمسؤولية كما تعلمين تكليف قبل أن تكون تشريف، وهي أمانة في عنق من يتولاها وأنا مدركة كلّ الإدراك بحجم هذه الثقة والأمانة التي وضعت بين يدي... ❊❊ منذ توليك منصب مديرة، هل من إصلاحات أدخلت على المعهد وهل من ثمار تجنى حاليا على أرضية الواقع؟ ❊ عندما تولّيت مسؤولية إدارة هذا المعهد، أوّل ما قمت به هو تحسين ظروف استقبال المتربصين الوافدين على الجزائر بغرض التكوين في المجال النقابي، جهّزت الظروف الملائمة للإقامة، قضيت على ظاهرة تبذير الورق، حيث أوقفنا السحب وقمنا بدله بنسخ المواضيع ودليل الأسئلة والقوانين المتعلّقة بالموضوع وجعلنا لكلّ موضوع لونا مثلا: النقابة لون أصفر، الحوار الاجتماعي لون أخضر والتفاوض لون أصفر، باعتبار المتفاوض يدخل الجلسة شاحبا ويخرج بلون آخر على حسب نتيجة التفاوض والنزاعات بلون الخط الأحمر. سعيت وأسعى بمعية الطاقم البيداغوجي وعلى رأسه الأمين الوطني المكلّف بقسم التربية والتكوين السيّد الهاشمي بلموهوب للعمل على تطوير المركز وإعطائه نفسا جديدا على المستوى القاري وفتح نافذة واسعة في إطار توطيد العلاقات النقابية مع البلدان الشقيقة العربية منها والإفريقية.. ❊❊ يتأهّب المعهد هذا الأسبوع لاستقبال وفد سوداني يأتي ليتكون في المجال النقابي، ما هي مدّة التربّص وما هو البرنامج المسطر بهذا الشأن؟ ❊ بالفعل، المعهد سيستضيف ابتداء من تاريخ 26 أوت إلى غاية الفاتح من سبتمبر الإخوان النقابيين لاتحاد عمال السودان، بحكم أن معهدنا هو الوحيد الذي لا يزال في نشاط، حيث أن المعاهد العربية الأخرى في سوريا وفي مصر وغيرها من الدول الشقيقة تعيش ركودا تاما نظرا للأوضاع الأمنية السائدة هناك، وعليه فالعيون اليوم تتجه نحو الجزائر.. هي دورات تدريبية يقوم بها المعهد الوطني للدراسات والبحوث النقابية ستكون حول تشريعات العمل، وهي فترة تدريبية خاصة بالإطارات النقابية القيادية لنقابة اتحاد عمال السودان و يدور موضوعها حول العلاقات الدولية والمعايير الدولية للعمل، أي كلّ ما يتعلق بالعمل النقابي المضبوط بالتشريعات المعتمد عليها دوليا وإقليميا من الناحية الاقتصادية والسياسية والوقوف عند الأوضاع الراهنة وتأثيرها على العامل وعلى المجتمع، حتى على العمل النقابي باعتباره عملا مطلبيا يسهر على الدفاع عن حقوق العمال المادية والمعنوية، هي محاور هامة ملحة نظرا للأوضاع السائدة حاليا. فعندما لا يكون هناك استقرار اقتصادي، ينعدم حتما الاستقرار السياسي الذي يجر إلى الاضطراب الاجتماعي.. فنحن نسعى لتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية على السلّم الاجتماعي وعلى القدرة الشرائية لتفادي الاختلال والتأثير، فالمعهد سبق أن أقام دورة تكوينية أيضا لنقابيين شباب من الكاميرون في 2013، هذا البلد الذي يستثمر في الشباب باعتباره أمل الغد.. ❊❊ وماذا عنا نحن، ما هي المؤسّسات التي كوّنت نقابييها في المعهد؟ ❊ كوّن المعهد الآلاف من النقابيين لمؤسّسات اقتصادية هامة حتى من الوظيف العمومي لكن بدرجة أقل من المؤسسات العمومية، على سبيل الذكر لا الحصر، كونّا السنة الماضية 300 نقابي على 4 مواضيع، ألا وهي دور المندوب النقابي، مندوب المستخدمين 3 أيام، الحوار الاجتماعي وتشريعات العمل في الجزائر 3 أيام، كيفية تسيير النزاعات الجماعية والفردية في أماكن العمل 3 أيام، التفاوض 03 أيام نظريا واليوم الرابع يخصّص للعب الأدوار كدور المستخدم والنقابة، يتم هناك تسجيل وملاحظة ما إذا استفيد من الأخطاء أم لا.. وفي الأخير، هناك شهادات تمنح وتحتسب. كما كونا مؤخرا 12.000 عضو نقابي قيادي لمؤسسات وطنية هامة منها: مجمّع الدواجن، تربية المواشي، اتصالات الجزائر والنقل شبه الحضري، وهناك مشروع في بسكرة (الأملاح) حيث قمنا بموضوعين تابعين للمناجم وسنتمم الموضوعين المتبقيين، هناك أيضا مشروع خاص بتكوين الإطارات النقابية لعمال المناجم قريبا. ❊❊ ما هي المواضيع التي سطرها المعهد في برنامجه والتي لا بد لأي نقابي التكوين فيها؟ وما مدى أهميتها بالنسبة له كنقابي وكلسان حال ينوب عن الطبقة الشغيلة؟ ❊ المتربصون يتكونون في المواضيع التي هي من اختصاص المعهد، منها دور المندوب النقابي للمستخدمين، حيث يعرف المندوب بمهامه، حقوقه وواجباته وكيفية التعامل مع الشريك الاجتماعي. الموضوع الثاني، الحوار الاجتماعي وتشريعات العمل التي نحاول من خلالها إقناع النقابي أنه عن طريق الحوار بإمكاننا الوصول إلى نتائج لا تتحقق عن طريق القوة والعنف؟ وتكون هناك قراءة تطبيقية للقوانين ونجد كل المستويات في الفرع النقابي المتعلم والمحدود ذي تجربة والعكس، وهذا ما يخلق التكامل. الموضوع الثالث تسيير النزاعات، ففي حالة ما إذا كان هناك نزاع كيف يتعامل معه النقابي؟ إذا تفاقم ما العمل؟ ما طريقة إيجاد الحلول وتهوين الأمور بدل تهويلها حتى لا يصل النزاع لأطراف خارجية وهذا ما سيؤثر قطعا سلبا على العامل والمؤسسة التي يعمل بها، كما نلقن النقابي كيفية التفاوض مع الشريك؟ كيف ينجح في المفاوضات؟ كيف يتفادى الاستفزاز؟ ولا يرد على استفزاز باستفزاز آخر؟ كيف يحضر نفسه للتفاوض وكيف يختار المرافق الكفء حتى لا يجد نفسه بمفرده. وفي الأخير نعلمه كيفية تحرير اتفاقية وكيفية إبرامها؟ وحين تمضى، كيف يتم تسجيلها في المحكمة؟ كيف يتم تطبيقها كيف تتابع؟ هناك قراءة مختلفة كما أن هناك لجنة مرافقة لهذه الاتفاقية الجديدة التي تقف على تطبيقها وفي حالة ما إذا ما لم تفهم نقاط معينة، اللجنة هي التي تقوم بتوضيحها وإزالة الغموض عنها، هذه هي المواضيع الأربعة المفروض على أي نقابي الإلمام بها. هناك أيضا المستوى الثاني والثالث ولكلّ مستوى مواضيعه، مواضيع المستوى الثالث نحن بصدد إنجازها.. ❊❊ التحدي هو عنوان النجاح بالنسبة إليك كنقابية محنّكة فلولاه ما بلغت هذا المنصب؟ فما هو أهم انتصار حققته بفضل روح التحدي الساكنة فيك؟ ❊ مؤخرا سافرت في مهمة إلى نيروبي كممثلة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، حيث أقمت هناك ندوة من أجل تكوين لجنة المرأة العاملة، فوجدت نفسي في وضعية تحد مع مصرية تتفاخر بنفسها وبلدها، استفزتني صراحة فوجدتني أضع ترشّحي دون أخذ رأي المسؤولين.. تداركت الأمر بعدها ولحسن الحظ هناك الوسائل التكنولوجية، فأرسلت رسالة أخبر فيها رؤسائي بترشحي لمنصب نائبة الرئيسة، فلم يمانعوا وبالفعل بعد عناء وصمود، تحدّيت الخبرة والسلطة وفزت وفازت الجزائر بالمنصب ب 9 أصوات مقابل 3 أصوات لمصر.. ❊❊ ما سر نجاح المعهد في مجال التكوين النقابي؟ ❊ الالتزام والانضباط وتواجد كفاءات عالية بالمعهد، إذ أصبحنا اليوم نعتمد على قدراتنا كمكونين وكنقابيين وكأبناء هذا المعهد، ولعل السرّ الذي جعل الكل يتهافت على التكوين بالمعهد هو تبنيه للطريقة التشاركية التي تعتمد على المشاركة وعمل الورشات، فالمكوّن بالمعهد ما هو إلا منسّق ومنظم ما بين المجموعات، ولمسته تظهر من خلال تجربته في التكوين النقابي، هذا ما أكسب المعهد سمعة وصدى جعله في حركية دائمة، فعلى مدار السنة هناك دورات تكوينية لدرجة أننا بتنا لا نستطيع تلبية كل طلبات التكوين، إضافة إلى أن المعهد حرّ، أي غير مقيّد والأمين العام وضع الثقة المطلقة فينا، فهو لا يتدخل في تسيير المعهد إطلاقا، ما يوصينا به فقط هو التكوين ثم التكوين، فتراه يلبي الدعوة متواضعا يوم افتتاح الدورة التكوينية أو اختتامها صراحة ودون مجاملة هو إنسان بأتم معنى الكلمة.. ❊❊ هل من كلمة أخيرة؟ ❊ في الختام أود أن أشكر من وضعوا ثقتهم في شخصي وأرجو أن أكون في مستوى هذه الثقة، وأشكركم أيضا لمنحي فرصة الحديث عن المعهد، وكلّ ما أتمناه بهذه المناسبة هو الاستمرار في العمل الجاد لبلوغ النتائج المرجوة في مجال التكوين النقابي.. هذه النتائج التي ستعود قطعا بالفائدة على العامل والمؤسّسة على حد سواء وتضمن بذلك استقرار وأمن البلاد والعباد...