بدأت مختلف الدول الأوروبية تراجع حساباتها في مواجهة السيول البشرية لآلاف اللاجئين المتدفقة عليها من الحدود المجرية واليونانية والتركية، أياما فقط بعد هالة الترحيب التي روج لها إعلامها وتصريحات مسؤوليها بضرورة فتح الحدود الأوروبية في إطار التضامن الإنساني الأوروبي. ويبدو أن العواصم الأوروبية التي دافعت عن سياسة جديدة تجاه اللاجئين وأرادت أن تكون أكثر إنسانية مقارنة بمواقفها العدائية السابقة، لم تكن تتوقع وصول ذلك الكم الهائل من المهاجرين السريين الذين تحولوا فجأة في لغة المسؤولين الأوروبيين إلى لاجئين مرحب بهم غير منبوذين. وضمن هذا التراجع قررت برلين وفيينا ولوبليانا إعادة العمل بنظام المراقبة على حدودها، مجمدة بذلك العمل باتفاقية "شينغن" للفضاء المفتوح ضمن محاولة للحد من تدفق تلك السيول البشرية الوافدة عليها من كل حدب وصوب ضمن قرار وصفته برلين بأنه جاء ردا على عدم تعاون دول الاتحاد الأوروبي ورفضها تقاسم عبء هذه الظاهرة المتفاقمة. ولم تتجاوب العديد من دول الاتحاد الأوروبي، مع المقترح الألماني لاقتسام اللاجئين مما جعلها في حرج حول كيفية استقبالهم والإيفاء بوعود المستشارة أنجيلا ميركل التي أكدت على استعداد بلادها استقبال 800 ألف لاجئ. وأدى انعدام التضامن الأوروبي والتطورات التي عرفتها أزمة اللاجئين السوريين إلى الدعوة لعقد قمّة أوروبية ستحتضنها العاصمة الأوروبية بروكسل لبحث الموقف العام. ويبقى هذا مجرد ذريعة قدمتها برلين لتبرير قرارها الذي فرضته الانتقادات التي بدأت تتعرض لها بسبب موقفها المرحب باللاجئين دون مراعاة أعدادهم قبل أن تقف على حقيقة الصعوبات العملية لاستقبالهم بسبب انعدام مرافق ومراكز إيواء كافية وخاصة وأن أوروبا على أبواب فصل الشتاء. وكان تساهل الحكومات الأوروبية طيلة أسبوعين في تعاملها مع هذه الأزمة الإنسانية كافيا لأن تصدم أوروبا بآلاف الراغبين بالاستقرار فوق أراضيها مما جعلها تعيد النظر في سياساتها على الأقل إلى غاية بحث الموقف بشكل جماعي، وعدم ترك الأمور تسير في إطار الفوضى العامة. ويبدو أن هذا الموقف هو الذي جعل الاتحاد الأوروبي يقرر أمس، استخدام القوة العسكرية ضد مهربي البشر عبر البحر المتوسط انطلاقا من الشواطئ الليبية في تحول قد يعيد النظر في سياسة الهجرة واللجوء إلى دول هذا التكتل بعد أن استغله سماسرة الاتجار في البشر وراحوا يكثفون من رحلات الموت باتجاه الجزر اليونانية والإيطالية والتركية، وعبر دول البلقان وشرق أوروبا من أجل عدم تفويت هذه الفرصة "الذهبية". وهي حقيقة وقف عليها سيغمار غابريال، نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والذي أكد أن المشكلة ليست في عدد اللاجئين ولكن في السرعة التي أصبحوا يصلون بها إلى ألمانيا. وهي مقاربة أيدتها اللجنة الأوروبية التي وقفت إلى جانب الموقف الألماني عندما أكدت إقدام ألمانيا على إلغاء العمل بفضاء "شنغن" يستدعي التوصل إلى اتفاق أوروبي لاقتسام عدد اللاجئين. وهو التماس لا تقاسمه دول شرق أوروبا التي عارضته بإصدار تشريعات قانونية لتجريم الهجرة السرية إلى داخل أراضيها مع تشديد الإجراءات الأمنية لمنع وصول اللاجئين إليها. ولا يستبعد أن يؤدي هذا التباين في المواقف إلى إجهاض نتائج القمة الأوروبية المرتقبة لبحث الموقف تجاه هذه الظاهرة بما قد يؤدي إلى إعادة النظر في كل عملية استقبال اللاجئين لاحقا، ويكون الذين وصلوا خلال الأسبوعين أكثر حظا من الذين سيلحقون بهم.