بقي العم حمدان بالمستشفى طيلة تلك الليلة... وكانت حماته تصرخ وتتأوه وتئن.. بعد وضع الجبس في رجلها.. حينها كان العم حمدان يفكر في السحور.. الظاهر أنه لن يتسحر هذه الليلة بسبب حماته التي كسرت قدمها.. اقترب صاحبنا من زوجته التي كانت تنتظر إذنا من الأطباء لترى والدتها وقال لها : " أنا جااااااائع ... عصافير بطني تزقزق ..أريد ان اتسحر" . لم تنظر اليه زوجته ولم تجبه.. بل اكتفت بقولها : "سبحان الله "... وبعد وقت ليس بالطويل وقبل أن يؤذن للفجر اقترب ثانية من الخالة زهور وسألها قائلا : "هل تعتقدين أنهم يقدمون وجبة السحور بهذه المستشفى ؟؟؟" فردت عليه بقلق : "أمي تكاد تموت وانت تبحث عن الاكل ...كل همك هو بطنك ؟!!!" فأجابها متهكما : " لاتخافي إنها بخير لن يصيبها أي مكروه فأمك بسبعة أرواح "...ثم ادرك أنه أخطأ فقال لزوجته إنه يمزح فقط حتى يزيل عنها بعض همها. هزت الخالة زهور كتفيها ثم ذهبت الى احد الأطباء وطلبت منه الدخول لترى والدتها فوافق.. . دخلت الابنة على أمها وتبعها العم حمدان الذي كان غاية في اللطافة واللباقة .... وبعد لحظات دخل عليهم الطبيب وأخبر الزوجين أنه بوسعهما أخذ المريضة الى المنزل.. خرج العم حمدان ليبحث عن شقيق زوجته داخل أروقة المستشفى ..وما ان رآه حتى اندهش صاحبنا وجحظت عيناه، وأطبق حاجبيه فانكمش جبينه، لقد كان أخ الخالة زهور جالسا على الأرض وبيده ساندويشا وبسكويتا يلتهمهما مسرعا في الأكل خوفا من أن يدركه وقت الإمساك الذي لم تعد تفصله عنه سوى بضعة دقائق.. هرول العم حمدان نحو صهره ونزع منه الأكل وطلب منه أن يذهب الى غرفة والدته لأن الطبيب سمح بخروجها... فانطلق الرجل كالرصاصة وبدا كطفل صغير.. فرح العم حمدان بالغنيمة التي انتزعها من صهره.. وجلس بدوره على أحد الكراسي وأخذ قضمة من السندويتش ..وهم بأخذ الثانية لكنه لم يفرح بها لأنه سمع آذان الفجر... أغمض صاحبنا عينا دون الثانية وبدت على محياه علامات التأسف وعاد الى غرفة حماته ثانية. خرجت الجدة من المستشفى وعادت ومن كان معها الى البيت ... بقي أحفادها بانتظارها الى وقت مبكر ... لقد طار النوم من أعينهم في تلك الليلة قلقا على جدتهم .. وكانت فرحتهم كبيرة وهم يستقبلونها من جديد. دخل العم حمدان الى غرفته واستلقى على سريره - بعد أن أنهكه التعب - منتظرا وصول وقت خروجه الى العمل، لكنه أحس بثقل في عينيه ولم يستطع مقاومة النوم الذي كان يدغدغهما، وراح يغط في نوم عميق ولم يستيقظ بعدها الا بعدما سمع صوت جواله يرن ويهتز بقوة على الطاولة الخشبية الصغيرة التي كانت تحمل المنبه وفانوسا صغيرا، استيقظ وكان التعب مازال يسكن جسده... واستيقظت زوجته كذلك.. أخذ العم حمدان هاتفه النقال لكنه ما ان حاول كبس زر قبول المكالمة حتى توقف الهاتف عن الرنين، ثم رن مرة أخرى لكنه هذه المرة ولشدة تعبه بدل أن يكبس على زر قبول المكالمة ضغط على الزر الأحمر (رفض المكالمة) ، ورن الجوال مرة أخرى وهذه المرة تمكن العم حمدان من التحدث الى المتصل الذي لم يكن سوى زميله سفيان الذي أكد له بأنه قلق عليه وبأنه اتصل ليعرف سبب تغيبه عن العمل. اتسعت عينا العم حمدان وصرخ قائلا : "كم الساعة الآن ؟؟.." فرد سفيان: "الثانية زوالا وعشرون دقيقة" .ضرب العم حمدان جبينه بيده وراح يروي لصديقه قصته بالمستشفى .. بعد انتهاء المكالمة بينه وبين زميله نظر إلى زوجته وقال لها : " ورطتنا أمك ..انها الثانية والنصف ..لولا أنها عجوز لاتجلب الا المشاكل لما حدث لها ماحدث ولما تغيبت أنا عن عملي" .لم ترد عليه ...فنهض من سريره وخرج من غرفته فاذا به يرى صهره نائما في الرواق على الأرض .. تعجب صاحبنا وتوجه اليه وأيقظه ... وعندما سأله عن سبب نومه برواق البيت وعلى الارض أجابه بأنه لم يرد ازعاج أحد لاسيما وأن الجميع كان مرهقا. كان العم حمدان في ذلك اليوم قلقا الا أنه لم يقم بأي حركة قد تغضب حماته منه ..فرغم أنها تشاغب أحيانا الا أنها كانت تكن محبة للعم حمدان وهو أيضا. بل انه اشترى لها في ذلك اليوم كل ماتشتهيه من أكل و حلويات وحتى المثلجات...ولم يبخل عليها بأي شيء طلبته.