صحفي لامع ومؤطّر متمكّن ومحاضر بليغ، منتج ومقدّم برامج إذاعية وتلفزيونية هادفة، تخطى عثرات الحياة ومفاجآتها المخيّبة للعديد من الأشخاص بكل ثقة وخطوات واثقة، أهّلته مواهبه وقدراته وذكاؤه وشغفه بتكنولوجيات الإعلام إلى إنشاء وإدارة موقع "الويب" للقناة الإذاعية الثانية الناطقة بالأمازيغية؛ إنه كريمو مادي، أحد فرسان الإرادة والتحدي، كانت لنا معه جلسة مطولة، أدخلنا عبرها إلى عالمه المشوّق الذي يروي من خلاله قصة اجتهاد شاب ينتمي إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، مثابر، طموح لا يعترف بالإعاقة، غاص في عالم "الويب" ليتفوق على "الويب" نفسه... طموح، يسعى جاهدا إلى تقوية عزيمة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، مبرزا مواهبها ومؤهّلاتها، مخرجا إيّاها إلى الوجود، ساعيا من جهة أخرى بحكم اهتمامه وتخصصه في تكنولوجيات الإعلام، إلى إيجاد بدائل مقنعة وجادة لانتشال الطفل الجزائري من مخالب ما تصدّره التكنولوجيا الغربية ضمن التطبيقات الموجّهة للصغار عبر الهواتف الذكية والحاسوب من أفكار دخيلة على عقول أطفالنا، وهو ما يراه خطرا محدقا بالأجيال الصاعدة والهوية الوطنية إذا لم تتكاتف الجهود من أجل الحد من زحفه. ❊ مهام متعددة اجتمعت في شخص واحد ابتلي بالإعاقة، لكنه لم يبق أمامها يوما عاجزا، هل لنا الوقوف عند أهم محطات التحدي والصمود في حياة كريمو مادي؟ — أصارحك بأنني لم أعترف يوما بالإعاقة، وهذه أوّل خطوة في التحدي، وأهم تحد في حياتي يخص مساري الدراسي، إذ التحقت بمقاعد الدراسة في سن متأخرة (16 سنة) وعزمت على الاجتهاد والتفوق، بينما يتمثل التحدي الآخر في اجتيازي شهادة البكالوريا بتفوق وحصولي بعدها على شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، لتواجهني محطة تحد أخرى بعد التخرج، وهي الظفر بمنصب في وسيلة إعلامية جادة، أجسّد من خلالها أفكاري وأحقّق طموحاتي وأنفع نفسي ومجتمعي، وبالفعل دخلت الإذاعة من بابها الواسع سنة 2007، كصحفي وجهته الميدان للتحري عن واقع المجتمع، لأتدرّج في العمل الصحفي وأصبح بدوري مكوّنا نظرا لأهمية التكوين في حياة الإنسان، ثم مقدم برامج ومنتجا، ومؤخرا سنة 2014 كلّفت بمهمة إنشاء وإدارة موقع "الويب" للقناة الثانية الناطقة بالأمازيغية، وبالفعل أنجزت المهمة بمساعدة الزملاء، واليوم بفضل تضافر الجهود بات للقناة هذا المكسب الثمين .. ❊ نعلم أنّك تشارك في التلفزيون بحصة "مرحبا للقناة التلفزيونية الرابعة"، ماذا بشأن الركن الذي تقدمه؟ — بالفعل، عندي ركن قار في هذه الحصة التي تبث كل عشية اثنين، إذ كنت قد اقترحت ركنا خاصا بذوي الاحتياجات الخاصة ووافق الساهرون على الحصة على اقتراحي، والركن إجمالا يتطرق لإنجازات هذه الفئة المصنّفة في عين المجتمع بالمعاقة العاجزة التي تستجدي الشفقة، غير أن هذه النظرة خاطئة، خاصة في ظل إحصائنا لما حققته وتحقّقه هذه الفئة المجتهدة في جميع المجالات، العلمية، الثقافية والرياضية، فذوو الاحتياجات الخاصة عادة هم من ينجحون ويحققون المعجزات ويجلبون الميداليات ويرفعون علم الجزائر عاليا خفاقا في المحافل الوطنية والدولية، ليظهروا للمجتمع والعالم في كل مرة أن لا وجود للإعاقة إلاّ في العقول الناقصة ... ❊ اهتمامك بتكنولوجيات الإعلام لا شك أهّلك للاحتكاك بأهل الخبرة والاختصاص، والحديث عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة، ما أهم التحديات التي تواجه الجزائر والعالم العربي تحديدا في هذا المجال؟ — بالفعل، أمامنا تحديات كبرى، ورهانات لإثبات تواجدنا في هذا المجال الهام، فمن البديهي أنّ من يملك الوسيلة هو المسيطر، ونحن وإن كنا مساهمين فاعلين، إلاّ أنّنا لا نملك هذه الوسيلة، فالأدمغة الجزائرية المهاجرة موجودة وبقوة في هذا المجال الحيوي، لكن أمريكا للأسف هي من تستثمر في هذه الأخيرة باعتبارها المحتضنة والمؤمنة بقدراتها، وطورت مساعيها في رقيها وتطورها لصالحها، لكن مع هذا الجزائر ولاّدة، فإن كانت قد ضيّعت هؤلاء فعليها احتضان أدمغة شابة، لا تزال هنا تنتظر أن تجد اختراعاتها في المجال التكنولوجي مكانا لها في وطنها، ومؤخرا كان لنا لقاء مع وقناة "البي بي سي"، حيث دار النقاش حول التحديات والرهانات وألقيت محاضرة في هذا السياق، ويتمثل أهم تحد في خلق بدائل تتماشى ومبادءنا وأخلاقنا ليشبّ عليها أبناؤنا، لأن الخطر في رأيي لا يأتي من التكنولوجيا لأن هذه الأخيرة أفدتنا كثيرا، وما من أحد ينكر ذلك، بل ما يبث عبر هذه الوسائل من أفكار مسيئة ودخيلة على أخلاق ومبادئ المجتمع الجزائري والعربي عموما .. ❊ باعتبارك خبيرا في تكنولوجيات الإعلام، إذا كانت التكنولوجيا لا تشكّل خطرا، ففيم يكمن الخطر إذا؟ وما هي البدائل المقترحة لانتشال أطفالنا من عالم افتراضي فرض سيطرته المحكمة على البراءة؟ — في اعتقادي، يكمن الخطر اليوم عبر ما يروّج بواسطة التكنولوجيات الحديثة، أي من خلال التطبيقات الموجودة في عمق الهواتف الذكية والحاسوب، والتي لا تمت بصلة لأخلاقنا ومبادئنا التي فيها أيضا خطر على الهوية الجزائرية، ليس تحديدا الآن، لكن نحن ننظر إلى البعيد القريب، أي بعد 20 سنة من الآن، فإن لم نجد البدائل فسنجني قطع جيل بهوية أجنبية؟ وعليه نعمل رفقة الخبراء الجزائريين في مجال التكنولوجيا لخلق برامج وتطبيقات جزائرية رفيعة المستوى، تتماشى وأخلاقنا ومبادءنا مواكبة، طبعا، العصرنة في اتجاهها السليم، أي الذي يحافظ على قيم وأخلاقيات وثقافة وهوية المجتمع الجزائري، وتشجيع أمر كهذا مسؤولية الجميع بدأ بالأسرة والمؤسّسات التعليمية التربوية، فالكل مسؤول على الحفاظ على هوية هذا الجيل الذي يعد هو المستقبل .. ❊ الطفل محور اهتمامك، ماذا عن الجائزة المسلمة لك من هيئة اليونيسكو وما كانت مساهمتكم؟ — في ذكرى انضمام الجزائر إلى الاتّفاقية الدولية لحقوق الطفل الموافق ل20 نوفمبر 1989، وزع دليل حقوق الطفل باللّغتين العربية والفرنسية، أنجزته الوزارة بالتعاون مع صندوق الأمم المتّحدة للطفولة في الجزائر، يهدف إلى التعريف بهذه الحقوق التي جاءت لتجنب تهميش أيّ طفل، كما ووزعت جوائز مسابقة أحسن عمل إعلامي حول العنف (ضد الطفل). كما تمّ توزيع خلال حفل تكريمي أشرفت عليه وزيرة التضامن الوطني، جوائز لمسابقة أحسن عمل صحفي. للعلم، المسابقة نظّمتها وزارة التضامن ومنظّمة (اليونيسيف)، وخصصت ثلاث جوائز للإذاعة الوطنية، حيث تحصّلت كصحفي بالقناة الثانية على الجائزة الأولى بموضوع يحمل عنوان (طفل معاق ضحية عنف) وطبعا، الفضل لا يعود إليّ فقط في افتكاك هذه الجائزة، بل لكل زملائي في القناة الثانية بما فيهم المسؤولين عن هذه القناة المميّزة بكفاءتها وبرامجها... ❊ هل من كلمة بمناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة؟ — كلمتي هي نداء هام للمجتمع الذي أدعوه إلى إعادة النظر في هذه الفئة الفاعلة في المجتمع والمنتجة والتي لديها قدرات خارقة قد لا تتواجد عند الأصحاء، ففقدان عضو ما ليس معناه العجز الذي يؤدي بالغير إلى إبداء الشفقة، إذ كم من عباقرة برزوا رغم الإعاقة، فعلينا إشعار هذه الفئة بكيانها بعيدا عن العطف المهين ونشر الطاقة الإيجابية في كل مكان، والقضاء على الطاقة السلبية والنظرة الدونية التي تعمل على التحطيم بدل البناء، فالجزائر بحاجة إلى كل أبنائها دون تمييز، وعلينا السهر على القضاء على التفكير العقيم وتشجيع كل المبادرات المفيدة، وأخيرا أشكركم على الالتفاتة وأشكر كل من دعّمني وشجعني من زملاء وأصدقاء دون أن أنسى إبداء الشكر الجزيل لجريدة "المساء" ...