وجه الوزير الأول، عبد المالك سلال، أمس، تعليمة إلى أعضاء الحكومة والولاة، يحثهم فيها على تبليغ المديرين العامين للمؤسسات العمومية بالأحكام الجديدة التي أدخلت على قانون الإجراءات الجزائية في مجال حماية الإطارات المسيرة، والتي تشكل بحق دعم الدولة لإطاراتها وحمايتهم من كل الضغوط وأشكال التعسف وأساليب الوشايات والرسائل المجهولة. تعليمة سلال التي تلقت "المساء" نسخة منها، ذكرت بأبرز الأحكام التي تضمنها هذا الاجراء القانوني الذي سيعمل على تحرير المبادرات ويرفع الضغوط على الإطارات المسيرة للمؤسسات الوطنية، ومنها تأطير الحبس المؤقت، وإعطاء النيابة إمكانية الاستعانة بمساعدين مختصين، ما يسمح بالمساهمة على مستوى التحقيقات الأولية في تقديم توضيحات مفيدة كفيلة بتفادي كل متابعة غير مؤسسة، فضلا عن إدراج أحكام تشريعية تضمن حماية الشهود، وبالتالي تفادي اللجوء إلى الرسائل المجهولة، التي غالبا ما تكون مغرضة وتعسفية، وألحقت الضرر بكثير من الإطارات المسيرة وشوهت سمعتهم دون إثباتات أو أدلة وقرائن اتهام يمكن التحقق منها بالملموس. ودعا الوزير الأول في هذا الإطار مسؤولي القطاعات الوزارية إلى تبليغ جميع المسؤولين العاملين تحت سلطتهم بالامتناع عن اتخاذ أي قرار في حق الإطارات المسيرة والموظفين التابعين للإدارات والهيئات والمؤسسات العمومية بالاعتماد على الوشاية المجهولة. هذا يعني صراحة عدم إيلاء أي اهتمام للرسائل المجهولة المصدر، باستثناء تلك المرتبطة بقضايا ذات الصلة بالأمن الوطني أو التي أخطر بها القضاء وفقا للقانون. انطلاقا من حرص الدولة على تنفيذ هذا الإجراء، خلص سلال في تعليمته إلى أن ما ينتظر من الإطارات المسيرة، هو بذل المزيد من المبادرات من أجل تفعيل مختلف المشاريع التي تقع على عاتقهم، ضمن أفق تحقيق الأهداف المنوطة بكل واحد في الآجال المحددة وفي ظل الشفافية التامة. تعليمة سلال التي تأتي تطبيقا للتعديلات الجديدة التي أدرجت في قانون الإجراءات الجزائية، وتكريسا لالتزامات رئيس الجمهورية في إطار برنامج الإصلاحات السياسية، ومسار عصرنة العدالة، تضع حدا نهائيا لأي تجاوز أو ضغوط مباشرة على المسيرين، فهؤلاء كثيرا ما يتعرضون لعراقيل أو يقعون في فشل تأدية المهام المنوطة بهم، بفعل ضغوطات ناجمة عن تدخلات خارجية أو من داخل المؤسسات التي يشرفون على تسييرها، وتحول دون تطبيق المعايير الحقيقية للتسيير، ما يترتب عنه عادة تأخير تنفيذ المشاريع، ثم بعد ذلك يحملون لوحدهم مسؤولية الفشل أو عدم تحقيق الأهداف المسطرة. كما تكرس هذه التعليمة في نهاية المطاف مقومات دولة الحق والقانون وترسخ استقلالية القضاء الذي لا يرتكز في معالجة القضايا المطروحة أمامه، إلا بالاعتماد على ملفات اتهام معززة بقرائن وأدلة دامغة حول الجرائم المرتكبة (لا اتهام إلا بملف وأدلة)، حيث تبقى العدالة في هذا الباب بالذات وحدها المخولة بالفصل في القضايا. جدير بالإشارة إلى أن رفع التجريم عن فعل التسيير الذي كرسته الدولة في قانون الإجراءات الجزائية في صيغته الجديدة المعدلة، وسع صلاحيات مجالس الإدارة في المؤسسات الاقتصادية والتجارية والمالية وغيرها، حيث أصبح من حق هذه المجالس الإدارية متابعة أعمال التسيير مع تحميلها بشكل حصري دور الرقابة المقرون بمسؤولية إخطار العدالة بتبعات سوء التسيير. انطلاقا من هذه الصلاحيات الموسعة يضمن الإجراء لأعضاء المجالس الإدارية المشاركة في التسيير الفعلي للمؤسسات والرقابة على هذا الفعل وعدم الاكتفاء بدور العضوية والملاحظة، وظل هذا الدور المعزز لمجالس الادارة والهيئات الاجتماعية للمؤسسات، يشكل مطلبا أساسيا ألحت عليه كلا من المركزية النقابية والتنظيمات المهنية خلال دورات متعاقبة لاجتماع أطراف الثلاثية، كما لم يفوت الوزير الأول عبد المالك سلال في توجيهاته المتكررة للفاعلين الوطنيين عبر مختلف الولايات، التحذير من عواقب الرسائل المجهولة التي أصبحت تحد من روح المبادرة لدى المسيرين وتشكل حاجزا معنويا وسببا رئيسيا في رفض العديد من الكفاءات والإطارات تولي مسؤوليات، خشية الوقوع في وضع لا يحمد عقباه. في الحقيقة إن تعليمة سلال التي تحرر المسيرين، ستعمل على تشجيع روح المبادرة وتجعل مسؤولية أي تجاوز أو سوء تسيير لا تخضع إلا لسلطة القضاء وتقديره. كما تعزز آداء الإطارات المسيرة التي تستفيد عبر هذه التعليمة من الثقة الكاملة للدولة في قدراتها وكفاءتها. في الأخير، لا بد من التذكير بأن تعليمة الوزير الأول تصحح أخطاء فادحة ارتكبت في الماضي، ولا زالت ظلالها قائمة إلا يومنا في كلام الساسة ورجال القانون فيما يعرف بقضية "الأيادي النظيفة"، حيث ذهب ضحية تلك الأخطاء آلاف المسيرين والمسؤولين بما فيهم مسؤولون سامون في الدولة، نتيجة رسائل مجهولة وحسابات سياسوية وضغوط علنية وغير مباشرة واتهامات غير مؤسسة، كلفتهم المكوث لأشهر وسنوات وراء القضبان، قبل ان يتم الإفراج عنهم لا حقا وتبرئتهم بشكل كامل. ولعل أشهر ما تناولته وسائل الإعلام والشارع السياسي في هذا الإطار، ملف إطارات الحجار في منتصف التسعينيات.