لا زالت قضايا الفساد وتبديد المال العام تجر الإطارات الجزائرية والمسيرين للسجون، ومازالت المحاكم الجنائية والإبتدائية تعالج عشرات القضايا رغم سير تنفيذ قانون رفع التجريم عن فعل التسيير الذي أمر به رئيس الجمهورية في محاولة لتحرير إطارات الدولة من رعب المتابعات القضائية وضمان إقلاع مشاريع الرئيس. صاحب حملة "الأيادي النظيفة" أصدر سنة 2003 تعليمة تتعلق بتحريك كل القضايا المتعلقة بتحويل الأراضي الفلاحية، وهي تعليمة بعث بها إلى وزير العدل حافظ الأختام الذي أمر الجهات القضائية بذلك، ما جعل مصالح الدرك الوطني تشرع في حملة تحقيقات كبيرة شملت ولايات على رأسها العاصمة التي تم فيها تحريك ملف الاعتداء على الأراضي الفلاحية ببوشاوي وأفضى إلى محاكمة أبناء مسؤولين كبار في الدولة، وشملت التحقيقات أيضا ولايات وهران وقسنطينة والبليدة، وطغت القضايا التي أحيلت على المحاكم على الأحداث الوطنية قبل عام. وعُرف احمد اويحيى أيضا قبل إصداره لهذه التعليمة بتحريك ملفات الفساد، تتعلق أساسا بالبنوك الخاصة على رأسها فضيحة بنك الخليفة التي وصفها اويحيى ب"احتيال القرن"، والبنك التجاري والصناعي، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بالمتابعات القضائية ضد واليين وعدد من إطارات الدولة اتهموا بتبديد أموال عمومية في عدد من البنوك العمومية والخاصة. غير أن رفع التجريم عن فعل التسيير وضع جدارا عازلا بين الخطأ المرتكب في التسيير والأعمال التي تُدرج في خانة الجريمة والفساد، حيث جاء في النص الجديد أن تجريم الرشوة والاختلاس والسرقة وخيانة الأمانة جرائم لا تطرح للنقاش، وعدا ذلك يعد تجريم عمل التسيير عملية تشويه غير مقصودة لصورة الجزائر كان لها نتائج عكسية على الاقتصاد الوطني الذي تضرر بسبب تجريم الإطارات والكفاءات، لدرجة أن التخوف من تبعات التسيير فرمل فعالية إطارات الدولة وجعلها تكبح سير المشاريع وتعترض مسارها الطبيعي. ومعلوم أن رفع التجريم عن فعل التسيير أمر به الرئيس بوتفليقة، في أعقاب تقارير وصلته عن النتائج السلبية وتعطل المشاريع نتيجة مخاوف الإطارات من تجريم التسيير، الذي ينظُر إليه العديد من القانونيين على أنه "خارج مجال اختصاص العدالة"، وأقرب من الإدارة التي يفترض فيها أن تعاقب على فعل التسيير بإجراءات تأديبية، كالتنزيل في رتبة مرتكب الخطأ أو تنحيته من منصبه إذا لزم الأمر. ويجمع الحقوقيون على أن تجريم فعل التسيير شكل دوما مطية للفساد، وهناك من اعتبر أن تجريم فعل التسيير "انحراف سياسي" مهد الطريق لكثير من الإطارات إلى السجن بسبب أخطاء في التسيير بعيدة أن تكون تواطؤا في قضايا فساد أو رشوة أو خيانة أمانة أو إبرام صفقات مشبوهة مخالفة للقواعد التي تحكم هذه الأخيرة. حقوقيون ومحامون يؤكدون: "نطالب برفع التجريم عن الإطارات حتى لا يهجروا القطاع العام" أجمع عدد من المحامين ممّن تحدثت إليهم "الجزائر الجديدة"، على أن التعديل القانوني الأخير المتعلق بتحريك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تملك الدولة كل رأسمالها أو ذات الرأسمال المختلط من الهيئات الإجتماعية وحدها، جاء خارج تطلعاتهم الرامية إلى رفع التجريم عن المسيرين والإطارات وتجنّب تخويفهم من الجرّ إلى أروقة القضاء من أجل ضمان بقائهم في القطاع العام، وهذا ما لم يصب فيه التعديل، الذي اكتفى بحصر رفع الشكوى في الهيئات الاجتماعية، وهو إجراء يحدُ من صلاحيات النيابة العامة. بوشاش: "هناك فساد في هرم السلطة والتعديل الأخير ذرّ رماد في العيون" قال مصطفى بوشاشي، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن التعديل الذي تضمنته المادة الثالثة من الأمر رقم 15/02 المؤرخ في 23 جويلية 215، الصادر في العدد الأربعين من الجريدة الرسمية لسنة 2015، المعدل والمتمم للأمر66/155، المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، بإضافة المادة السادسة مكرر من هذا القانون، التي قيدت تحريك الدعوى ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية واشترطت تقديم شكوى مسبقة من الهيئات الاجتماعية للمؤسسة المنصوص عليها في القانون التجاري وفي التشريع الساري المفعول، لم يكن في تطلعات المحامين "نحن نطالب برفع التجريم عن الإطارات لسببين، أولهما أن هذه الإطارات صارت متخوّفة من جرّها إلى أروقة القضاء والدخول في متابعات قضائية، ما يجعلها تهجر القطاع العام، وثانيمها، لا يمكن أن نحصر الشكوى في الهيئات الإجتماعية وحدها ونحدّ من صلاحيات النيابة العامة التي يفترض أن تسارع لتحريك شكواها كلّما جاءتها قضية فساد". وأضاف بوشاشي "هذا موضوع شائك ولا يمكن أن ننكر وجود قضايا الإختلاسات ونهب المال العام وكل أنواع التبذير، فهناك فساد سياسي، وفساد في هرم السلطة ونظام سياسي يتخبط، وما التعديل الأخير إلا ذرّ رماد في العيون، ما فعلناه فقط أننا عدنا للصيغة القديمة في رفع الشكاوى من طرف مجالس الإدارة وهو ما كنا نعمل به سابقا". عميمر: "الإجراء حماية للإطارات النزهاء لكنه يحدُ من صلاحيات النائب العام" أكد المحامي عبد القادر عميمر، محام معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، أستاذ جامعي، أن التعديل الأخير المتعلق بتحريك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية، جاء مخالفا لتطلعات الكثير من الحقوقيين ونضالاتهم، وحمل قيودا في رفع الشكاوى التي أصبحت محصورة في مجالس الإدارة لدى المؤسسات، واعتبر الإجراء حماية للإطارات النزهاء من الدعاوى الكيدية والرسائل المجهولة، لكنه في المقابل يحدُ من صلاحيات النيابة العامة في التحرك حيال قضايا الفساد. ومن الملاحظات التي أبداها المحامي عميمر حول التعديل الذي جاءت به هذه المادة، أنها لا تتضمن رفع التجريم عن أفعال مسيري المؤسسات الاقتصادية كما فهم البعض، بل أكدت هذه المادة وكرست تجريم أعمال التسيير التي تؤدي إلى سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة، وهو ما يخالف تطلعات كثير من الحقوقيين ونضالاتهم من أجل إلغاء تجريم أعمال التسيير والذي توج بإلغاء المادة 119 من قانون العقوبات. وفي ثاني ملاحظة، يقول المتحدث أن هذه المادة قيدت النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية، بشكوى من الهيئات الاجتماعية، ويقصد بها مجلس إدارة المؤسسة، وهذا القيد -حسب رأيه- يعتبر حماية للإطارات النزهاء الذين عانوا كثيرا من الشكاوى الكيدية والرسائل المجهولة، والمحاضر التي تعدها الجهات الأمنية ضدهم. وأضاف المحامي أن الضمانة التي جاءت بها هذه المادة لاستبعاد أي تواطؤ بين أعضاء الهيئات الاجتماعية والمسيرين هو ما جاءت به الفقرة الثانية من هذه المادة، التي توعدت أعضاء الهيئات الاجتماعية للمؤسسة بالمتابعة الجزائية في حالة اكتشاف وقائع ذات طابع جزائي تستر عليه هؤلاء ولم يبلغوا عنه، كما أن هذا التعديل لم يحدد نصابا معينا لتقديم الشكوى، بل يكفي أن يقدم عضو واحد من أعضاء الهيئات الاجتماعية شكوى لتحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة. لزعر محامي الخليفة: "مطلب رفع التجريم عن إطارات الدولة غير مقبول منطقيا" وصف المحامي لزعر نصر الدين، دفاع رفيق عبد المومن خليفة في قضية القرن، مطلب رفع التجريم عن إطارات الدولة ب"المطلب غير المقبول منطقيا"، فلا يمكن –حسبه- وجود مال عام دون رقابة أو متابعات قضائية لمبذريه، فإن فعلنا ذلك فقد فتحنا باب التلاعب بأملاك الدولة، مؤكدا أنه ضد رفع التجريم عن هذه الفئة، مؤيدا شرط أدرج في التعديل الأخير بخصوص حصر رفع الشكاوي من طرف مجالس الإدارة، وهو مطلب تمسك به محامون، لكنه كان يبعد في كلّ مرة من طرف القضاة. أكد المحامي لزعر أن تكريس رفع التجريم عن إطارات الدولة والمسيرين بحصر الشكاوي ضمن صلاحيات مجالس الإدارة، شرط كان موجودا على أرض الواقع سالفا في القانون التجاري ضمنيا، لكن التعديل الأخير جاء ليؤكد عليها بصريح العبارة التي تقتضي تحريك الدعوى العمومية من مجلس الإدارة لمتابعة المسيرين الاقتصاديين، ورفع التجريم عن هذه الفئة يمنعنا من متابعتها جزائيا. وأضاف لزعر في تصريح ل "الجزائر الجديدة"، أنه في قضية "الخليفة" التي تأسس فيها طرف دفاع، كان فيها عدد معتبر من الإطارات موضوع إتهام، بينما لم تحرّك الدعوى ضدهم من الهيئات الاجتماعية، وقال "في رأيي مطلب رفع التجريم عن إطارات الدولة بتصرفات تسييرية أمر غير مقبول منطقيا، فلا يمكن التلاعب بأموال الدولة وتركها دون حماية جنائية، والكلّ يعلم أن باب الإختلاسات مفتوح من زمان". رسالة "إكس".. مفجّرة كبرى قضايا الفساد في خبر كان ! لم يعد للرسالة المجهولة نصيب في تحريك دعاوى قضائية وجرّ الفاسدين الى أروقة القضاء، بعدما استبعدتها الحكومة بتعديلات على قانون الإجراءات الجزائية في الجانب المتعلق بالتحقيقات والتحري، إذ حذر القانون في الشق المتعلق بمتابعة الأشخاص ومسيري المؤسسات والهيئات الرسمية والحكومية، من المتابعات القضائية بناء على معلومات مجهولة المصادر كالرسائل المجهولة، رغم أن الأخيرة كانت سببا في كشف كبريات قضايا الفساد، والمحاكم الجزائرية شاهدة على مئات القضايا المُحرّكة بفضل الرسالة "إكس". فضائح بالجملة كشفتها رسائل مجهولة، بينها قضية عاشور عبد الرحمان وفضيحة اختلاس 3200 مليار سنتيم من البنك الوطني الجزائري" التي سقط فيها معترفا بالقول "الرسائل المجهولة دمرتني"، وشغلت القضية اهتمام الجزائريين وشدت الرأي العام. وهي واحدة من ملفات كشفت الكثير من الحقائق المثيرة التي لم تتحرك من العدم، بل اكتشفت بناء على رسالة مجهولة تفيد أن "عاشور عبد الرحمان" حصل على صكوك بنكية دون خضوعه للمحاسبة منذ 2004 وبطريقة غير شرعية، وفتح حسابات تجارية في وكالات البنك الوطني الجزائري في بوزريعة، شرشال والقليعة، وتمكن خلالها من اختلاس أموال عمومية بتواطؤ مدراء الوكالات سالفة الذكر، ومدير وكالة عين البنيان، وأفادت الرسالة أن عاشور عبد الرحمن اشترى عقارات ومنقولات هامة. وبناء على هذه المعطيات، وجه والي تيبازة رسالة إلى المصالح المختصة لمباشرة التحقيق والبقية من الحكاية معروفة.. الرسالة المجهولة التي يبعدها التحقيق اليوم، كشفت أيضا أن أكبر قضايا الفساد وقطفت رؤوسها، وفي مجلس قضاء العاصمة برمجت للنظر من جديد ومحاكمة المتابعين في قضية "شركة سوناطراك" التي أسالت الكثير من الحبر، وهي قضية توبع فيها رعية فرنسية، صاحب شركة ومسؤولين في سوناطراك، بإبرام صفقات مشبوهة تخصّ بناء سكنات ومرافق اجتماعية لإطارات الشركة بالجنوب الجزائري. وتحرّكت القضية إثر رسالة مجهولة وجّهت لوكيل الجمهورية لدى محكمة بئر مرادرايس، حملت معطيات خطيرة عن تجاوزات في الشركة، بسبب صفقة الشراكة بين سوناطراك وشركة itga المسيّرة من طرف الفرنسي ميشال هوارد والمختصّة في الدراسات. ومن بين القضايا أيضا التي حركتها الرسالة المجهولة، قضية إطارات بشركة "موبيليس"، وجدوا أنفسهم في قلب فضيحة فساد في ملف ثقيل يتعلق بتبديد أموال عمومية، استغلال الوظيفة وإبرام صفقات مخالفة للأحكام التشريعية بغرض إعطاء امتياز غير مبررة والاستفادة من تأثير الأعوان لإبرام عقود مع الهيئات العمومية، حيث تم التلاعب بتسعة عقود إيجار تنصيب مراكز محطات للاتصالات الهاتفية. وتوبع في هذا الملف 13 متهما، بينهم 5 إطارات بشركة "موبيليس" على رأسهم المدير الجهوي السابق للوسط لشركة "موبيليس". وفي الطارف كشفت واحدة من الرسائل "إكس"، ملف التلاعب بمشاريع ورشات الجزائر البيضاء، وأثبت التحقيق بفضل الرسالة التي وصلت مصالح الأمن سوء تسيير تلك المشاريع، الموجهة للاعتناء بالمحيط ومنحت لأشخاص دون استيفاء الشروط المطلوبة، وعدم إنجاز الأشغال المطلوبة منهم في غياب المتابعة الميدانية من المصالح التقنية للبلديات، وهو ما أدى إلى تبديد أموال هذا البرنامج هدرا في مشاريع عديمة الجدوى والمنفعة العامة. وفجرت رسالة أخرى فضيحة أخرى في "نات كوم" قبل أربع سنوات، بعدما أرسلت عن طريق "فاكس" إلى ولاية الجزائر تطالب فيها الوالي بإيفاد لجنة تحقيق إلى مؤسسة النظافة ورفع النفايات المنزلية، ''نات كوم''، للوقوف على عدد من التجاوزات، تتعلق خاصة ببيع جهاز حرق النفايات بالخروبة بطرق غير قانونية في 2006 إضافة الى لثغرة مالية ب400 مليون سنتيم في 2008 كشفها اختفاء وصولات الخروج لكمية هائلة من الخردوات، إضافة إلى اختفاء شاحنات من الحجم الكبير في ظروف غامضة. وجاء ردّ المدير العام ل''نات كوم'' أنذاك على الاتهامات، أن الرسالة وأصحابها ''يحاولون كسر المؤسسة". وكانت الرسالة المجهولة بعد التحقق من فحواها، سببا في الإيقاع بأشخاص بينهم المدير السابق لمستشفى بن عكنون وصاحب شركة «أوبي سي» للعتاد الطبي للمساعدة الحركية اللذان أدينا بالحبس على خلفية تورطهما في صفقة اقتناء عتاد جراحة عظام وأعضاء حركية اصطناعية من المستشفى سالف الذكر. وواصلت الرسالة المجهولة مهمتها في وضع خط أحمر للممارسة الفساد وتوقيف الفاسدين، وفي السنة الماضية كشفت إطارات ملاحة جوية عقدوا صفقات مشبوهة لتهيئة مطار هواري بومدين بعد إيداعها على مستوى الوزارة الوصية، واتضح من التحريات أنه تم عقد صفقات تفوق قيمتها أربعة ملايين دينار مع شركات "كاتل"، "اي.جي.بلوس" و"انكور" لإعادة تهيئة مطار هواري بومدين بدون تفويض من مدير الإمداد مع الشركات المذكورة لاقتناء 29 جهاز "اي.أ ل.اس"، 15 كيلومتر من الكابلات، أجهزة خاصة بالإنارة، تم خلالها تضخيم الفواتير وتسليم الصكوك قبل تسلم الأجهزة، كما استفادت إطارات من قروض ورحلات عمرة وسياحة في منتجعات خاصة واشتراكات خاصة بالقنوات الفضائية، شحن البنزين على حساب الشركة، وفواتير الهواتف. وفي الشلف طالت عملية فساد مديرية التعمير والبناء، توبع فيها 38 متهما أغلبهم إطارات ومسؤولين بالمديرية وجهت لهم تهم تتعلق بسوء استغلال الوظيفة والتزوير والتلاعب بالميزانية وتضخيم الفواتير وتبديد أموال عمومية، حيث تكبّدت خزينة الدولة خسائر تفوق 33 مليار سنتيم خلال التلاعب بالميزانية المخصصة لعدة مشاريع بذات الولاية، على غرار مشروع الصرف الصحي والملبس الساخن بالقطب الجديد "الشطية"، حيث تم صرف الملايير في أشغال إضافية تبين أنها وهمية، وهو ما جاء في سطور رسالة مجهولة أيضا.