تتحدث الكاتبة سليمة مليزي عن تجربتها الإبداعية وتخوض في شؤون الساحة الأدبية عندنا بجرأة متناهية، كما تعبر عن حنينها المطلق لسنوات العز الثقافي التي عاشتها الجزائر، والتي كان لها فيها نصيب مع أسماء كبيرة التقتها أو عملت معها، وتتمتّع السيدة مليزي بالصراحة والمسؤولية اتجاه الآخر وبحرية الرأي، مما أهلها إلى أن تكون موضع ثقة لكثير من شركائها في حقل الإبداع داخل وخارج الوطن، تبقى الكتابة هي الهاجس الأول، والعود الحميد إلى بيت الإبداع الذي ابتعدت عنه، لكنه ظل يناديها إلى أن لبّت وقدمت الكثير من الإصدارات في شتى الفنون الأدبية.. التقتها "المساء" وكان هذا الحديث. ❊ بداية، من هي سليمة مليزي وما هو الموقع الذي تحتله في المشهد الإبداعي عندنا؟ — سليمة ابنة عائلة عريقة ومتعلمة، حيث كان جدي الثالث قاضيا على مستوى الشرق الجزائري، وكان لجدي وأبي مدرسة قرآنية، وأنا من مواليد قرية بني فودة بسطيف، أحمل شهادة الدراسات العليا للغات الأجنبية. أرى أن الساحة الأدبية حاليا غنية بالأسماء النسوية مقارنة بفترة السبعينات والثمانينات، بالتالي فإنه من الصعب معرفة مستوى كل واحد، لكنني أعتقد - خاصة في الساحة الإبداعية النسوية- أن هناك تساو في المستوى، علما أن هناك أديبات (قليلات طبعا) متميزات سواء في الشعر أو القصة والرواية. رغم غيابي عن الساحة 23 سنة، وبسبب التزاماتي العائلية عدت مع شيء من التخوف بداخلي وإحساسي بأن قطار الإبداع فاتني، لكن سرعان ما تلاشى وتبدد كل ذلك بعدما نشرت في بعض المنتديات العربية ووجدت القبول والإقبال من القراء العرب، ثم تعزز ذلك عن طريق النشر. ❊ وماذا عن الأسماء الجديدة التي اكتسحت الساحة؟ — أشهد بأن تلك الفترة وما سبقها كان الإبداع فيها أرقى من حيث المستوى، وأنا لا أقول بأنه حدث تراجع، لكن أرى أنه لم يبق ذلك الزخم الذي كان خاصة في القيمة الإبداعية في حد ذاتها، ربما كان ذلك بفعل الثورة المعلوماتية ووسائل الاتصال، لست أدري.. مسألة أخرى أعتبرها جد مهمة وهو أنه عكس اليوم، لم يكن الكل ينشر بهذه البساطة، إذ كان هناء شيء اسمه "لجان قراءة"، وكان الكاتب يوضع على المحك وكان المعيار هو الإبداع عند كل من يمسك القلم، بما في ذلك الصحفي. وبالنسبة للعشر سنوات الأخيرة، هناك زخم كبير في إبداع الأديبات الجديدات، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يحضر الشعر والقصة والرواية والنثر وغيرها من الفنون، رغم أنني لا أميل لواحدة بعينها لأن التميز لا يفرض نفسه، هناك أيضا الإعلام، خاصة المكتوب منه الذي يلعب دورا مهما وخطيرا في الترويج لأسماء بعينها، حتى ولو لم تكن في المستوى المطلوب، ربما كان ذلك بسبب أن الصحفي لم يعد يقرأ بالشكل المطلوب ولا يبحث بما فيه الكفاية، ولا زلت مقتنعة أن الصحفي الجيد هو الذي يكتشف الموهبة، بالتالي يقيمها بموضوعية ودون أية اعتبارات أخرى.. عموما فإن الجيل الجديد من المبدعين والمبدعات لا يرقى إلى جيل الرواد (تشبه ذلك بمستوى الطرب في الغناء)، خاصة في السبعينات والثمانينات، رغم توفر فرص النشر. ❊ وكيف تقيمين واقع الأدب النسوي عندنا؟ — إن المرأة المبدعة هي التي تعبر عن واقعها وتؤرخ لحقبة معينة من زمنها، وتنقل الواقع المعيش من عنف وتهميش، على الرغم من المكانة التي وصلتها من مراتب عليا في العلم والسياسة والاقتصاد والمجتمع، ورغم أنّها فرضت وجودها، لكن نظرة الآخر إليها بقيت دونية، بالتالي لم تستطع المرأة أن تحقّق ذاتها في مجتمعها الذكوري التقليدي، وهكذا لم تنصف، مما جعلها تشعر بالحرقة والغضب خاصة عندما تطغى حرية الرجل على حريتها، وأعني هنا المرأة المثقفة بوجه خاص التي تجد عاتقها محملا بالأثقال، وأعتقد أن هذا الطرح لا تقدر عليه سوى المبدعة من خلال شتى الفنون الأدبية. أرى أيضا أنه على هذا الأدب أن يكون جريئا يتجاوز الطابوهات، ويكون منبرا آخر لنضال المرأة الجزائرية والعربية التي أرى بأنها خسرت الكثير في العشرية السوداء، ولا تزال ضحية لأبواق التخلف الممنهج من قوى يأذيها تحرر المرأة، وتنال من المرأة باسم التقاليد والدين، لذلك مثلا، فأنا فخورة بأحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق وآسيا جبار وغيرهن اللواتي تجاوزن الألغام وعبرن عن هموم المرأة بدون زيادة أو نقصان. عموما، أرى أن الأدب القوي يفرض نفسه، سواء كان أنثويا أو ذكوريا، فلا فرق بين الجنسين إلا في الإبداع، بالتالي هذه مجرد تسميات لملء فراغ يعانيه النقاد. ❊ من هي الأسماء التي أثرت ومرت عبر مسارك الإبداعي؟ — الكثير طبعا، أذكر؛ الكاتب مصطفى شاكر وحنة مينا والراحل عبد المجيد أمزيان وبلقاسم خمار الذي اعتبره أبي الروحي والبرناوي، كما شجعني الشاعر سليمان جوادي كثيرا، وتعلّمت من زوجي الكاتب عبد العزيز غرمول الذي وفّر لي متعة القراءة ويسّرها لي لأكتشف عمالقة القلم عبر العالم والتاريخ وتعلّمت منه أنّ اليأس مهنة الضعفاء، وأن الإنسان دون برنامج حياة مجرد بهيمة أنعام، والحمد لله نجحت في تحقيق الكثير من أحلامي ولا أزال أطمح للكتابة بشكل أفضل، وتحقيق ذاتي بشكل إبداعي يثير اهتمام القراء. أذكر أيضا الأستاذ بن قارة حين كنت أعمل في جريدة "الوحدة"، حينها شجعني على إصدار ملحق خاص بالطفل، ثم تحول بعدها إلى مجلة "رياض" وهي أول مجلة للطفل في تاريخ الأدب الجزائري. ❊ حدثينا عن إصداراتك وعن جديدك في النشر؟ — طبعت "نبض من وتر الذاكرة" بالقاهرة في طبعتين وكذلك "رماد الروح" مع شاعر سوري وكان هذا الأخير بمثابة تضامن بين البلدين أمام ما يجري من أحداث، وعبّر عن التلاحم بين الشعبين الشقيقين، لذلك تضمن الكثير من قصائد الوطن والهم العربي الواحد، تم أيضا نشر اسمي كمبدعة جزائرية في أنطولوجيا الفينق الصادرة بالأردن وكان ذلك بعنوان "تحت ظل النبض" وهي مختارات مما تزخر به أكاديمية الفينق للأدب العربي بعمان، وتخص الشعراء والشاعرات الذين يحملون أوسمة الأكاديمية للإبداع الأدبي والعطاء. علما أنني ساهمت بقصيدتين وقصة وتحصلت على إثرها على وسام الأكاديمية (ترجم إلى الفرنسية والإنجليزية)، كما عينت مؤخرا سفيرة الكلمة للاتحاد العالمي للثقافة والأدب (مقرها بمصر) في الجزائر وأنا أعد برنامجا إذاعيا بعنوان" قراءات أدبية" تبث من القاهرة، تناول أعمالي العديد من النقاد العرب، كما نشرت في بعض الصحف العربية منها العراقية، وترجمت أيضا إلى الكردية وأنا أتشرف بذلك. وبالنسبة لمشاريع الإصدارات، فتحت الطبع بمؤسسة النشر والإشهار ديوان نثر بعنوان" مواسم الوجع" و5 قصص للأطفال، وسأعيد طبع "نبض من وتر الذاكرة"، ولي مشروع رواية لا يزال ينضج بهدوء. ❊ هي كلمتك الأخيرة؟ — أسابق الزمن لأحقق كل شيء، كأية امرأة مثقفة ومبدعة تحاول أن تجتهد أكثر وتطور أكثر.