لازال المنسج التقليدي يحتل مكانة خاصة في بيوت القرارة بغرداية، حيث يتربع في قلب البيت أو بساحته، وهو أنيس الحرائر اللواتي ينسجن أجمل الزربيات بمختلف الأحجام والأشكال وكذا الحنبل، حيث يعتبر أساسيا في كل بيت وجزءا رئيسيا من جهاز العروس، علاوة على نسج "الجربية" وهو اللباس التقليدي الذي ترتديه العروس الميزابية لتظهر في أحلى حلة في يوم العمر. خلال تجولنا في قصر القرارة، واحتكاكنا بالعائلات التي استقبلتنا في بيوتها بصينية الحليب والتمر، وهو رمز الضيافة الصحراوية وأهل القرارة خاصة، لاحظنا أن جل البيوت لا تزال محافظة على المنسج وخاصة التقليدي الذي يعتبر إرث الجدات، حيث تجد السيدة فيه متنفسا للإبداع وتقديم أجمل الأفرشة التي تزين بها غرف الضيافة وغرف النوم، كما تعتبر المنتوجات الصوفية والنسيجية فخر العروس التي تزين بها بيتها وتتمتع فيه بجماليات ألوانها التي تنبض بالحياة، حيث أشارت لنا السيدة عائشة إلى أنها لاتزال تعمل على منسجها التقليدي الخشبي، وتحرص على حياكة مختلف المنسوجات التي يحتاجها أفراد عائلتها، فالحنبل الصحراوي معروف بدفئه الوفير الذي يقف في وجه برودة الصحراء ليلا، تقول مسترسلة: كما ترون، لقد باشرت عملية نسج زربية، وقد وضعت الخيوط الأولية وأسعى للجلوس أمامه يوميا حتى أكمل ما أصبو إليه، علما أنها قد تأخذ مني سبعة أشهر كاملة لتحضيرها، ولا يمكنني أبدا تخيل حياتي بدون عمل على المنسج". مختلف الجمعيات الناشطة بالمنطقة على غرار جمعية "الوفاء" تعنى بحفظ النسيج في المنطقة من خلال الحرص على تكوين الفتيات في هذا المجال بالتنسيق مع مراكز التكوين المهني، بالاستفادة من تجربة السيدات في الميدان، بحيث ذكر لنا السيد شيح أحمد مصطفى، رئيس جمعية "الوفاء" أن الجمعية تحرص على تعليم الفتيات فن النسيج، وهو الرائد في المنطقة بحكم أنه من العادات والتقاليد التي تعتبر إرثا للأجيال، كما تحرص عليه جمعيات أخرى لها ورشات في حي بوقرطاس والعقيد يحي، كلها تسعى للحفاظ عليه، حيث وضعت الجمعية مناسج عصرية مصنوعة من الفولاذ حتى تتمرن عليها الفتيات وتنسجن عليها أيضا، وخاصيتها هي أن المرأة لا تحتاج إلى جهد كبير لتحريك المنسج على خلاف التقليدي الذي يحتاج منها جهد عضلي كبير". وأشار رئيس جمعية "الآفاق" إلى حي العقيد لطفي، الرائدة في صناعة الزربية التقليدية بألوان وأشكال زاهية في معر ض حديثه إلينا، على هامش المعرض الذي إقامته الجمعية بقلب المدينة واستقطب جموع السيدات وزوار القرارة، حيث أن المنسج أساسي في الجمعية، إذ يوجد بها أربعة مناسج كبيرة الحجم، تعمل عليها سيدات متمرسات ينجزن أجمل الزربيات بألوان وأشكال مختلفة، والتي يتم بيعها من قبل الجمعية من خلال المعارض التي تقيمها بعرض إفادتهن" ويواصل محدثتنا قائلا: "لقد استطاعت السيدات بالقرارة أن تقدمن أشكالا مختلفة للزربية، وللحفاظ على هذا الإرث الثقيل، باشرنا عملية حياكة لوحات متوسطة الأحجام من الزربية والتي يمكن وضعها في برواز لتزين الصالات والغرف، وهي جزء من الديكور العصري الذي يحمل في طياته جمال الإرث التقليدي، كما أنها الطريقة المثلى للتعريف بمختلف الأشكال والرموز التي تستعملها المرأة الغرداوية، كما يوجد أشكال مختلفة من الزرابي، فمنها ما تفرش على الأرض، وأخرى تعلق على الحائط، وهناك منها ما تزين القاعات والصالات الكبيرة وغالبا ما تكون تلك الزربيات بلون وشكل موحد". "الحايك" والزربية زينة البيوت الصحراوية لا تزال البيوت الصحراوية تحتفظ بجماليات الأفرشة التقليدية لما لها من خاصية الحفاظ على الأصالة، حيث يعتبر وجودها في جهاز العروس ضرورة لأنها الطريقة المثالية والأنسب لجعلها في كل بيت وعلى مر الأجيال. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تغيب الزربية عن صالات الضيافة، وهناك بيوت تعتمد في ديكورها على زربية الصوف والحايك المنسوج محليا في ديكور متناغم يعكس البيئة الصحراوية الفريدة من نوعها. وأكدت لنا السيدة (ب.ب) من القرارة، أن حايك الصوف هو الغطاء المفضل لأهل المنطقة، فعلاوة على ألوانه الزاهية التي تبعث البهجة في النفوس والمكونة من الأحمر، الأزرق، البنفسجي والوردي الغامق وكذا الأبيض الذي يفصل خطوطه ويزيد من بهائه، وتضيف قائلة: "فعاليته وسحر دفئه يعودان إلى طريقة نسجه، حيث تعتمد السيدة على "دك" الخيوط الصوفة لتشكل حاجزا منيعا ضد البرد وهو ما يسمح بأن ينعم صاحبه بالدفء وراحة البال، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن لا نجد بجانب أي سرير فردي أو زوجي، زرابٍ صغيرة الحجم على الجانبين توضع أرضا، وهي جزء أساسي من ديكور الغرف، كما أنها تحمي الأقدام من الصقيع. خلال وجودنا بالعطف في ولاية غرداية، دخلنا دار الضيافة للسيدات التابعة لجمعية الطفولة السعيدة، وقد شد انتباهنا الديكور التقليدي المميز للصالة الكبيرة، والتي تم تفريشها بزراب كبيرة على الأرض، فيما تم تزيين ‘'الكنبات'' الخشبية بزربيات منسدلة، وبكل ‘'كنبة'' ثلاث وسادات متوسطة الحجم يمكن أن يسند بها الجالس ظهره، وامتازت ألوان الزربية ب''اللبيج" الفاتح الذي تخلله الأخضر بتدرجاته والأسود الذي زادها وقارا، فيما حملت زينتها نقوشا ورموزا مختلفة من المنطقة".