لم تستيقظ فتيحة وقت السحور الشيء الذي أقلق العم حمدان إذ خشي أن يصيبها ما أصابها في ذلك اليوم الذي منعها فيه هو من السحور، فدخل غرفة البنات وراح يحاول إيقاظها، فلم تستيقظ... فخطرت في باله فكرة يلجأ إليها أبناؤه مع بعضهم البعض، خاصة فتيحة حينما يتعسر عليها ايقاظ أحدهم... توجه نحو الثلاجة وبعدما فتحها أخرج من المجمد حبات جليد، وذهب بها بسرعة نحو فتيحة ووضعها على رقبتها وعلى وجهها ..لكنها لم تستيقظ ..احتار العم حمدان ... فيما يفعله مع ابنته... كان يدور ويدور إلى أن خطرت بباله فكرة أخرى... اقترب ثانية من ابنته وراح يدغدغها من رجليها فكانت هي تتململ وتضحك لكنها لم تستيقظ .. فاهتدى إلى فكرة أخرى بعد فشل الأولى والثانية، ذهب جريا إلى المطبخ وحمل زجاجة الفلفل الأسود وأخذ معه الهريسة أمام حيرة زوجته وأبنائه وعاد من حيث أتى... اقترب من فتيحة ورش أنفها بالقليل من الفلفل الأسود ووضع على شفتيها وداخل فمها الهريسة الحارة فاستيقظت دون مقدمات وقفزت من فراشها وراحت تجري وتولول وتصرخ وهي تعطس دون انقطاع ... أخذت تشرب وتشرب الماء والعصير لكن دون فائدة ثم شربت اللبن والحليب لكنها بقيت على الحال نفسها، فلجأت إلى أكل التمر والفاكهة. لم تجلس فتيحة على المائدة بل كانت تأكل وتشرب وهي واقفة لأن أنفها كان يدغدغها ولسانها وشفتاها تحرقانها، وبعد أن شبعت فتيحة لم تستطع أكل أي شيء آخر قد يزيل عنها الألم ..لكن العم حمدان الذي كان جد سعيد ضمن أن ابنته تسحرت بطريق غير مباشر وكان يأكل وكأن شيئا لم يحدث. في ذلك الصباح استيقظت فتيحة باكرا حتى تذهب إلى مدرستها وكانت حينها جد غاضبة من والدها، فكانت ترد عليه إن كلمها وهي تنظر إلى جهة أخرى حتى تتفادى النظر إليه، فلم يكلمها بعد ذلك لكنه وقبل أن يخرج قال لها بأنه فعل ما فعل لمصلحتها ... حتى لا تمرض... خرج العم حمدان من بيته وما إن وصل إلى باب العمارة حتى عاد إلى ابنته وعرض عليها أن يوصلها بسيارته ففرحت لكنها في الوقت نفسه كانت خائفة من أن يتنرفز ويفرغ جام غضبه عليها إن هي ذهبت معه... رغم ذلك ذهبت معه ووصلت إلى مدرستها بسلام وبأمان. وصل العم حمدان إلى مقر عمله وما إن دخل حتى قابله سفيان الذي راح يعتذر منه نظرا لما سببه له من إحباط يوم أمس ...لكن العم حمدان لم يكلمه بل حمل حقيبته التي بها الرسائل وخرج ليوزعها على أصحابها ... بعد أن أنهى العم حمدان واجبه عاد إلى مقر عمله ووجد سفيان بانتظاره، لم يكلمه صاحبنا لكن سفيان سأله إن كان سيبدأ العمل بسيارته اليوم أم لا ؟ وفجأة نسي العم حمدان غضبه من زميله واقترب منه ووضع كرسيا وجلس أمامه وأخبره بأنه لم يفكر في ذلك لكن سفيان ألح عليه بأن يبدأ في العمل كطاكسي مخفي في ذلك اليوم ... دخلت الفكرة دماغ موزع البريد، وتحمس لها كثيرا وعزم على بدء العمل في ذلك اليوم. عند الافطار كان العم حمدان يأكل بسرعة وكأن شخصا يجري وراءه ... لاحظت ذلك زوجته وكذا أولاده دون ان يعلقوا على الامر... وبعد أن أتم أكله حمل مفاتيح السيارة وخرج. ذهب صاحبنا إلى موقع كان ينتظر فيه أصحاب السيارات (الطاكسي المخفي) زبائنهم وراح ينتظر وطال الوقت إلا أنه لازبون طلب خدماته ...ومر الوقت ولم يتغير شيء وبقي الحال على حاله ... بعد مرور وقت ليس باليسير أقبلت على العم حمدان ثلاث نسوة ففرح بالزبونات لأنه ضمن (كورسة) وطلبن منه أخذهن إلى منطقة غير بعيدة كثيرا، فركب ثم ركبن ثلاثتهن السيارة من الخلف، وانطلق العم حمدان بسيارته والفرحة (بالكورسة) لم تسعه.. وصل العم حمدان إلى منطقة بها ازدحام السيارات فقلق.. كان حينها متوقفا في منطقة مرتفعة من الطريق ينتظر سير السيارات الكثيرة التي كانت تقف قبله ... وبعد أكثر من ربع ساعة من التوقف سارت السيارات التي كانت أمامه ففرح صاحبنا ورفع الفرامل اليدوية حتى يسير هوالآخر الا أنه لم يتحكم في فرامل الرجل ومكبس السرعة من شدة فرحته !!! فرجعت سيارته إلى الخلف فخافت النسوة كثيرا ورحن يصرخن ويولولن مرعوبات فزدن في ارباك العم حمدان وأخذن يندبن ويبكين ورحن يطلبن منه التوقف حتى ينزلن ... فتوقف ونزلن والخوف باد على وجوههن ..لكن العم حمدان لم يتوان في طلب الأجرة ...وهنا نظرت اليه أكبرهن سنا وكانت عجوزا تشبه حماته ووضعت يديها على خصرها وقالت له: "نعم...نعم .ماذا قلت ؟ المفروض أن تعوضنا انت نظرا للهلع الذي سببته لنا والذي كاد أن يقضي علينا... والله لن تأخذ دينارا واحدا منا" . لم يكثر صاحبنا الكلام معهن وعاد إلى بيته وهو يجر أذيال الخيبة وكان حينها الوقت جد متأخرا فوجد كل أفراد أسرته نائمين ... فما كان منه إلا أن نام لا سيما وأنه كان جد متعب.