تشير الإحصاءات إلى أن عدد الجمعيات الثقافية قليل بالنسبة لعدد الجزائريين، وهي مشكلة، غير أن المشكلة الأكبر هي أن هذا العدد القليل جدا من الجمعيات غير فاعل وأغلبها تعمل على الورق، لا يلمح لها وجود على الواقع. وتتجلى المشكلة في مظهرين: الأول يتعلق بحجم الدعم المالي الإجمالي للجمعيات الثقافية التي تصرفها الوصاية على الجمعيات دون طائل. والمظهر الثاني مرتبط بغياب دور الجمعيات في هندسة وبناء مجتمع محصن بالوعي ويتسم بحس فني وثقافي عاليين. تعتبر الوصاية المجتمع المدني شريكا ضروريا يضطلع بمهمة نهضة المجتمع ثقافيا، لكن الأمر يحتاج إلى ديناميكية أكبر وفعالية أكثر من طرف الجمعيات على الخصوص. المطالبة بالخروج من "المطلبية" إلى الميدان والفعالية سجل عام 2015 دعم ست جمعيات ثقافية وطنية، أودعت طلباتها على مستوى الوزارة، رغم أن مكتب الجمعيات أبوابه مفتوحة على مدار السنة، وهذه الجمعيات هي الجمعية الثقافية الجاحظية، الرابطة الجزائرية للفكر والثقافة، الجمعية الثقافية عبد الكريم دالي، جمعية إرث الجزائر، الجمعية الوطنية للصداقة والتعاون بين الشباب وجمعية امرأة في اتصال... وهاتان الأخيرتان يشملهما الطابع الاجتماعي كذلك، وهي أرقام لا تثير الشأن الثقافي الذي يحتاج إلى نشاط أكبر، أما اتحاد الكتاب الجزائريين فلم يطلب الدعم ونشاطه فقد بريقه منذ سنوات. ما تقدمه وزارة الثقافة هو دعم وليس ميزانية سنوية كاملة وشاملة لنشاطات الجمعية، لأن الأصل في الفعل هو أن الجمعيات تنشط من اشتراكات أعضائها من العوائد المالية لنشاطاتها، غير أن هناك جمعيات تعتمد أساسا على الدعم الذي تراه حقا إجباريا على السلطة أن تدفعه لها. يشير مكتب الجمعيات الواقع على مستوى مديرية تنظيم وتوزيع الإنتاج الثقافي والفني بوزارة الثقافة، إلى أن عدد الجمعيات الثقافية في الجزائر يقدر بحوالي ثلاثة آلاف جمعية محلية، تدعمها مديريات الثقافة الولائية من خلال برنامجين؛ الأول متعلق بدعم سنوي حسب أجندة الجمعية في الولاية، والثاني خاص بدعم المشاريع أو التظاهرات الثقافية، وعرفت السنة المنصرمة إيداع 776 ملفا، وسجلت ولاية بجاية أكبر عدد ب56 طلبا في السنة نفسها، بينما لم تكلف ولايات البويرة وتمنراست وأدرار عناء إيداع أي ملف لطلب دعم سواء في المشاريع أو برنامج جمعياتها الثقافية السنوي، وهو أمر يبعث على التساؤل عن السبب الذي قد يكون وراء غياب التنوير الإعلامي في هذه الولايات. ذكر مكتب الجمعيات أن الدعم السنوي تنتهي آجاله في 31 مارس من كل سنة، بينما يكون دعم المشاريع على مدار السنة. وجدير بالذكر أن الجمعيات الوطنية تدعمها الوزارة، بينما الجمعيات المحلية تدعمها ماليا مديريات الثقافة بعد أن تفصل لجنة على مستوى الوزارة فيها، ويقترح مدير الثقافة للولاية الجمعيات الناشطة فعلا. يكشف الواقع عن أن هناك جمعيات تأخذ حصة مالية دون أن تقدم في المقابل أي نشاط يثير الاهتمام، وهناك جمعيات آثرت على نفسها العمل ذاتيا، وترفض أن تخطو خطوة نحو الإدارة لطلب الدعم، وهي نماذج لجمعيات ناشطة وناجحة بالفعل، واعية للمغزى الجمعوي الذي أساسه الإرادة والتطوع. عمار كساب (باحث في السياسات الثقافية): المعنى الحقيقي للجمعيات غائب في هذا الشأن، يؤكد عمار كساب الباحث في مجال السياسات الثقافية أن الجمعيات الثقافية في الجزائر لا تقوم بالدور المنوط بها في تحريك المشهد الثقافي. ويرجع ذلك لسبب بسيط، هو غياب جمعيات ثقافية بالمعنى الحقيقي، يعود ذلك في اعتقاده إلى وجود إرادة سياسية تترك المجتمع المدني ينظم نفسه بنفسه عبر جمعيات ثقافية والعمل في المجال الثقافي. وفيما يخص الجمعيات القليلة جدا والناشطة في القطاع الثقافي فهي تواجه عدة عراقيل إدارية وقانونية تحد من عملها. تأخذ الجمعيات من ميزانية وزارة الثقافة نسبة 0.2 بالمائة، وكشف عن أن الأرقام الرسمية تشير إلى وجود حوالي 6000 جمعية ثقافية وفنية عبر التراب الوطني المعتمدة رسميا، منها 3000 جمعية فقط مطابقة لقانون 2012 الذي فصل في طابعها الثقافي، حتى وإن كانت هذه الجمعيات نشطة فعلا، فإن مردوديتها وفعاليتها ضعيفة جدا، وهو ما يعادل جمعية واحدة لكل 8000 مواطن جزائري. معدل ضعيف جدا مقارنة بالدول المجاورة تونس والمغرب. وجدّد قوله؛ "لا توجد إرادة سياسية تجعل الجمعيات الثقافية تشارك الحركة الثقافية والعمل الثقافي". وذكر أن قانون الجمعيات 2012 يحول دون قدرة الجمعية على الحصول على تمويلات أجنبية، مع العلم أن التمويلات الداخلية غير موجودة. كما كشف عن معدل جمعية ثقافية لكل 10 آلاف مواطن في الجزائر العاصمة، وبلغ عدد الجمعيات الثقافية والفنية في الجزائر 6074 جمعية بين عامي 2006 و2009، بما في ذلك 171 جمعية "أدبية"، و1168 جمعية "فنية"، و1299 جمعية مهتمة ب«التاريخ والتراث"، وغيرها مما يسمى "متعددة التخصصات"، حسب تصنيفها من قبل وزارة الثقافة، فقد بلغ عددها 3436 جمعية. وتبلغ الميزانية السنوية 500 ألف دولار تقريبا للجمعيات التي تختارها الوزارة، لكن لا تكشف عن اسمها. وأضاف أن العديد من هذه الجمعيات ليس لديها أنشطة حقيقية في هذا المجال، وبعضها تسييرها غير شفاف، ويرجع ذلك على وجه الخصوص إلى نقص التمويل والتدريب في إدارة المشاريع. وأشار المتحدث إلى أن جنوح جمعيات نحو التيارات السياسية والحزبية ظاهرة معروفة، وأن السياسة استعملت الثقافة كأداة للوصول إلى هدفها منذ استقلال الجزائر، واستعمال الجمعيات المسرحية والفنون التشكيلية وأخرى من أجل أغراض سياسية، وهذه الجمعيات ليس لها أثر كبير على المجتمع، وهناك بعض الأمثلة، لكن ليس لها وقع كبير وتنتهي صلاحيتها مع بلوغ أهداف الحزب. الشاعر سليمان جوادي الجمعيات الجادة لا تطلب الدعم قال الشاعر سليمان جوادي بأن الجمعيات الثقافية والجماعات المحلية المتمثلة في البلديات تشكّل بديلا لوزارة الثقافة. ذاكرا أن الساحة الثقافية في نهاية سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت نشطة والحركة الثقافية اتسمت بالنوعية دون أن تكون يد الدولة مساهمة فيها، ذلك أن تلك الجمعيات كانت تتحلى بالجدية خاصة في ولايتي تيزي وزو والوادي. وأضاف المتحدث أن تلك الجمعيات الثقافية، بالولايتين، كانت واعية بدورها وناشطة وفاعلة ولديها روح المبادرة، وكان مدير الثقافة يحضر كضيف فقط دون دعم ذلك النشاط. وشدد سليمان جوادي على مسألة أن الجمعيات الثقافية الفاعلة والناشطة تقدم برامج جادة وتعتمد أكثر على اشتراكات أعضائها ونشاطاتها الربحية، وهي أقلها اتصالا بالإدارة، أما الجمعيات الطفيلية التي تنشط في الأوراق فقط فهي كثيرة التردد على الإدارة تطلب الدعم المالي، وكثيرة الثرثرة على صفحات الجرائد ومختلف المنابر الإعلامية. الدكتورة جميلة مصطفى زقاي: ضرورة سحب الاعتماد من الجمعيات الفاشلة أكدت الدكتورة والأكاديمية جميلة مصطفى زقاي أن هناك جمعيات ثقافية فاعلة وتضطلع بمسؤوليتها على أكمل وجه، من خلال منتوجها الذي نتابعه على الواقع. وخصّت بالذكر جمعيات مسرحية تحقق نجاحا تلو الآخر. ومن جهة ثانية، هناك جمعيات تحصلت على ما يؤهلها للعمل، لكنها لا تنشط ولا تقدم أعمالا وترد الأسباب إلى قلة دعم الوزارة، وهي في الحقيقة سبب واه. وتابعت تقول؛ "لما نرى هذه المفارقة بين جمعية وأخرى، نتساءل؛ لماذا هناك من الجمعيات من ينشط وأخرى تتخذ من وزارة الثقافة شماعة تعلق عليها عجزها ولا تسعى لتحسين وضعيتها على اعتبارها جمعية"؟. وأقرت الأستاذة أنه مشكل قائم بذاته، داعية المعنيين بالأمر إلى معاينة وغربلة مردود الجمعيات، وأن تقوم الوصاية بخلق هيئة أقرب إلى لجنة معاينة لنشاط الجمعيات، مهمتها سحب الاعتماد من الجمعيات الفاشلة. وكشفت المتحدثة عن أنه تم منع إنشاء الجمعيات والتعاونيات بعدما أعلنت الدولة عن سياسة التقشف وترشيد المال العام. وهي فكرة مجحفة في حق بعض الإرادات التي تسعى فعلا إلى إحداث التغيير في المجال الثقافي وتسريع وتيرة تطوره، واقترحت جميلة زقاي أن تكون عملية توأمة بين الجمعيات لتكثيف جهودها والمشاركة والمصانعة في إظهار واقع الثقافة في الجزائر في جميع الفنون، منبهة إلى أن الأمر لن يتأتى إلا بتخطي الحافز المادي والسعي في سبيل رفع التردي، خاصة أن الشأن الثقافي يعرف تراجعا. سعيد جاب الخير (إعلامي ومهتم بالشأن الثقافي): المدرسة لا تلقن ثقافة المجتمع المدني أكّد الإعلامي سعيد جاب الخير أنه لا وجود للمجتمع المدني بالمعنى الحقيقي، لغياب ثقافة المجتمع المدني في أبسط المؤسسات وهي المدرسة، والتلميذ لا يعرف شيئا اسمه مجتمع مدني، إلا بعض الأفراد لا تتجاوز نسبتهم 1 بالمائة غالبا ما تحصلوا عليها بفضل بيئتهم الأسرية التي نشأوا فيها، مشيرا إلى أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية، على غرار المدرسة والإعلام لا تعطي هذه الثقافة. وهي كفكرة غير موجودة وتجسيدها غير موجود. هناك جمعيات تنشط لمصالح واجهات سياسية لهياكل معينة سواء في السلطة أو غير السلطة، تدخل الكائنات الممتصة للريع ومجرد أشياء سياسية تستغل في المناسبات الانتخابية، أما نشاطها ميدانيا فغير موجود، وشخصيا يقول جاب الخير إنه لا يعرف جمعيات ناشطة، مستثنيا الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية. ونبّه المتحدث إلى أن هناك مجموعات تقف ضد مصلحة المجتمع، وهناك من ليست له مصلحة حتى يفكر الجزائري.