سجلت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري توافد عدد كبير من المستثمرين الراغبين في اقتحام المجال الفلاحي والاستفادة من مختلف صيغ الدعم والامتيازات التي توفرها السلطات. وزير الفلاحة السيد بلعيد شلغوم قال إنه ومنذ تواجده على رأس القطاع، منذ حوالي الشهر، شكل لجنة خاصة لدراسة الملفات المودعة والتي ستتلقى الرد عن طلباتها بالايجاب في غضون أسبوع فقط، وهي المهلة التي قررت الوزارة عدم تجاوزها، كما قررت عدم رفض أي ملف إلا في حال نقص الوثائق اللازمة به. وزير الفلاحة، وعلى هامش جلسة نقاش نظمها منتدى رؤساء المؤسسات خصصت لعرض نتائج دراسة حول الأمن الغذائي، أكد على ضرورة تعميق العلاقة بين القطاعين العام والخاص للنهوض بالقطاع الفلاحي الذي يعول عليه ليكون محركا فاعلا للاقتصاد، داعيا إلى تشجيع المبادرة وتقوية القدرات البشرية وتكثيف المساعدة التقنية، بالاضافة إلى التحكم في المعارف. مشيرا إلى أن الوضعية المالية لبلادنا تتطلب الرفع من قدراتنا الإنتاجية من خلال تفعيل شراكات جادة بين القطاعين العام والخاص وحتى الشراكة مع الأجانب. رئيس منتدى رؤساء المؤسسات من جانبه دعا إلى ضرورة الانتقال إلى المستثمرات الفلاحية الضخمة التي تتجاوز مساحتها ال 100 ألف هكتار والتي تسلم لمن يخدمها ويعملون بها بشكل جدي، داعيا رجال الأعمال إلى اقتحام المجال الفلاحي واستغلال المساحات الشاسعة بالهضاب العليا والجنوب، مع الاستفادة من مرافقة الدولة فيما يتعلق بتوصيل الماء والكهرباء التي قال إنها استثمارات ضخمة لا يمكن للمتعامل والمستثمر أن يتحملها، مستشهدا ببعض التجارب الناجحة بدول أمريكا اللاتينية على غرار البرازيل التي تتوفر على مؤسسات فلاحية تستثمر في مساحات تفوق ال200 ألف هكتار. الافسيو لا يريد "مساعدات" من الدولة أو "صدقات" حسب علي حداد، الذي طالب بالقضاء على فكرة "البايلك" و«الباطل"، مضيفا أن ما يحتاجه المتعامل هو المرافقة فيما يتعلق بالمنشآت القاعدية كالماء والكهرباء، بالاضافة إلى تسهيل القروض البنكية وتحريرها بسرعة. وحسب علي حداد، فإن تجمعه وإن شجع إنشاء مستثمرات فلاحية ضخمة، فهو لا يلغي المستثمرات الصغيرة التي لا تتعدى مساحتها ال20 هكتارا والتي قال إنها تتطلب الدعم والمرافقة للرفع من مردوديتها وتحقيق اكتفاء محلي وجهوي. في دراسة للمعهد المتوسطي بفرنسا وبطلب من "الأفسيو": القمح والحليب والبطاطا رهان حقيقي لتأمين غذاء الجزائريين أكدت دراسة أعدها المعهد الفلاحي المتوسطي بفرنسا بطلب من منتدى روساء المؤسسات أن القمح والحليب والبطاطا هي عوامل ومواد أساسية يجب التركيز عليها لتحقيق الأمن الغذائي الجزائري والأمن الاستراتيجي لمواجهة أي تهديد أمني أو طبيعي محتمل. الدراسة أكدت أن القطاع الفلاحي بالجزائر عرف تطورا معتبرا في السنوات الأخيرة بفضل استثمارات ضخمة غير أن النمو الديمغرافي الذي ارتفع بنسبة 20 بالمائة خلال العشرية الأخيرة أثر بشكل واضح على النمط الاستهلاكي للجزائريين. الدراسة التي تندرج في إطار إرادة منتدى رؤساء المؤسسات للمساهمة بفعالية في النقاش الوطني السائد حول الرهانات الكبرى للاقتصاد الوطني، تعد جزءا من برنامج لدراسات متخصصة يصنفها منتدى "الأفسيو" بالإستراتيجية والمهيكلة للتنمية والأمن في الجزائر. وحددت نتائج الدراسة ثلاثة عناصر هامة لتحقيق الأمن الغذائي للجزائريين وهي عناصر قال بشأنها الباحث والمشرف على الدراسة السيد عمار بسعود بالبسيطة وسهلة التحقيق قياسا بالنمط المعيشي والغذائي للجزائريين المتسم بالتواضع. ما استثمرته الجزائر خلال المرحلة الماضية من ملايير الدينارات كان سيعطي نتائج جيدة لولا التحويلات والتبذير الذي حال دون توجيه الإمكانيات المالية إلى أصحابها. ورغم ذلك فإن القطاع الفلاحي لا يزال ينشد ضخ إمكانيات مالية هامة لبلوغ النتائج المرجوة حسب الدراسة التي أشارت إلى أن نصف ميزانية دول الاتحاد الأوروبي موجهة للدعم الفلاحي، مما جعل من الاتحاد قوة غذائية بامتياز. ومن هذا المنطلق، دعت الدراسة إلى دعم الفلاحة لكن بشكل عقلاني ومدروس. برامج هامة عملت على تطوير الفلاحة ومنها البرنامج الوطني للتنمية الفلاحية الذي أعطى نتائج مشجعة لولا النمو الديمغرافي وسياسة التعمير العشوائية المسجلة بين 2000 و2011 والتي أدت إلى رفع فاتورة استيراد المواد الغذائية إلى 11 مليار دولار وهو رقم قياسي وتاريخي.. الفاتورة وإن تراجعت سنة 2015 إلى 9.3 مليار دولار إلا أن الأمر يتعلق بتراجع الأسعار بالسوق الدولية وليس إلى تراجع الاستيراد، حسب المشرف على الدراسة السيد بسعود. إن حصة الفرد الجزائري الغذائية تقدر ب308 دولار سنويا، وهي مرتفعة مقارنة بالفرد المغربي (189) والمواطن التونسي (270) وحتى المصري الذي لا تتجاوز عنده (190) دولارا. وتضاعفت هذه الحصة الغذائية ب3.5 مرات ما بين سنة 2000 إلى 2011 حيث انتقلت من 78 دولارا للفرد سنويا إلى 267 دولارا. وشكلت الحصة الغذائية للفرد 26.5 بالمائة من النفقات الغذائية سنويا سنة 2000 للفرد لترتفع إلى 33.6 بالمائة من النفقات الغذائية لخزينة الدولة. أرقام الدراسة تشير إلى التموقع الاستراتيجي للجزائر كقوة مستوردة باعتبارها ثالث أكبر مستورد للقمح في العالم بحصص خيالية تتراوح ما بين 500 و800 ألف طن، وهي واحدة من ست دول تفوق وارداتها الخمسة ملايين طن سنويا من القمح، كما أن الجزائر هي ثاني مستورد لبودرة الحليب بعد الصين وتحولت خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى متعامل استراتيجي وزبون هام بحصة تفوق 17 بالمائة. من هذا المنطلق، دعت الدراسة إلى ضرورة العودة إلى الأنماط الغذائية التقليدية التي تعتمد أساسا على العجائن التي يستهلك ثلثيها القمح الصلب الذي يكلف ضعفي القمح اللين، علما أن تكلفة الفرد الواحد من القمح الصلب تتجاوز 122 دولارا سنويا في حين لا تتعدى 77 دولارا بالنسبة للقمح اللين. بخصوص البروتينات القاعدية فتوفرها مادة الحليب الذي يستهلك منها الجزائريون ما يفوق 138 لترا سنويا للفرد الأمر الذي يستدعي تكثيف البحث للرفع من الانتاج الحيواني، علما أن الثروة الحيوانية لا توفر سوى 3000 لتر فيما يتراوح المعدل السنوي ما بين 6000 و10 آلاف لتر.. البطاطا التي دخلت في العادات الغذائية للجزائريين، تحولت إلى مادة استراتيجية يمكن اتخاذها كسلاح تضيف الدراسة - علما أن الإمكانيات كبيرة للرفع من إنتاج البطاطا المقدرة حاليا ب300 قنطار والتي يمكن أن تتضاعف مرتين إذا ما فكرنا في القضية من منظور أمني واستراتيجي.