جاءوا من مالي، النيجر، السينغال، الكاميرون، ونيجيريا، عددهم مجهول ويتوزعون في مأواهم بين مراقد وفنادق قديمة في القصبة السفلى والوسطى، ولا يعرفون سوى القليل عن الجزائر، غير أنهم يتابعون أخبار الكرة الجزائرية عن كثب ويحفظون أسماء الأندية واللاعبين في شتى بقاع العالم وشغلهم الشاغل هو اقتحام إحدى الفرق أو الأندية الجزائرية والصعود إلى عالم الشهرة التي يرون في الجزائر مدرسة لها، فهم يحملون شهادات وخبرات في مجال الكرة المستديرة. التقيناهم في شارع طنجة بالعاصمة أمام مدخل مطعم الرحمة بعضهم كانوا يشكلون طابورا وبعضهم كانوا يفترشون الأرض جماعات، جماعات، في انتظار الجلوس إلى طاولات الفطور. بعض هؤلاء مر على مكوثهم بالجزائر 3 سنوات وهم يمتهنون أعمالا حرة، كإصلاح الأحذية في شوارع وأزقة القصبة، شارع طنجة، عبان رمضان، وباب الوادي، حيث ينزوون في مساحات ضيقة ولا يستبدلونها بأماكن أخرى حفاظا على استمرار عملهم، ويرى بعض المواطنين بأن هؤلاء ماهرون في إصلاح الأحذية ولو بوسائل يدوية بسيطة، حيث يعتمدون على الإرادة. أحد هؤلاء وهو شاب نيجيري عمره 36 سنة، استبدل اسمه باسم عبد الكريم بعد اعتناقه الإسلام، قال لنا »عندما نؤمن بنجاحنا فإن ذلك يتحقق فعندما شعرت بأن ثمة قوة تحكمنا هي قوة الله أسلمت، وعندما آمنت بأن الجزائر بلد آمن يمكن لي العيش فيه والاسترزاق من عملي اليدوي البسيط شددت رحالي إليه، وأظن أنني تمكنت من ذلك ولم أخطئ في تصوري حول العيش هنا«. وهناك الكثير من الهاجرين الأفارقة يشكلون يدا عاملة في مجال البناء لدى الخواص، أو يمتهنون مهنة حمل البضائع. آخرون يوجدون في الجزائر منذ 40 يوما فقط غير أنك تعتقد وأنت تحدثهم أن تواجدهم بالجزائر مر عليه سنوات طوال بالنظر إلى سهولة تأقلمهم مع الجزائريين، وما يميزهم هو معلوماتهم الثرية عن الكرة الجزائرية واللاعبين الجزائريين وما قدموه من صور فنية بارعة في حياتهم الكروية. وكل هذا صنعه الحلم بمستقبلهم كلاعبين في الجزائر أو كمشاهير كرويين في العالم، وقد اكتشفنا أن بعضا منهم خريجو مدارس كروية ويحملون شهادات في مجال كرة القدم، حصلوا عليها في بلدانهم الأصلية بعد خوضهم لتدريبات على يد مدربين محترفين. ولا يتوانى هؤلاء الحالمون بالكرة والشهرة ولو يوما في زيارة الملاعب الجزائرية لمشاهدة مختلف المباريات سواء كان ذلك على مستوى العاصمة وضواحيها أو حتى على مستوى بعض الولايات مثل سطيف، الشلف وغيرها، ولاتعكس متابعاتهم للكرة الجزائرية عن كثب مدى إعجابهم بها فقط، بل إنهم يستغلون فرص الذهاب إلى الملاعب لعرض مالديهم من مهارات، فنيات وخبرة وشهادات شرفية في هذا المجال على اللاعبين والمسؤولين لعل الحظ يكون حليفهم فيقبلهم هذا الفريق أو ذاك. ويرى الشاب طراوري من مالي (27 سنة) الحامل لشهادات شرفية في مجال كرة القدم أن النجاح سيكون حليفه حتما إذا ما أتيحت له الفرصة، قائلا »لدي كل الثقة للنجاح والتألق إذا ما سنحت الفرصة لاكتشافي، وأحمد الله على ما منحني من موهبة تسري في قدمي وأنا أحمل شهادات شرفية عدة حصلت عليها في بلدي«. من جانب آخر يحمل هؤلاء صورة إيجابية عن الجزائر كونها بلدا مسلما تكثر فيه العمليات التضامنية، ويرون في مطاعم الرحمة خلال رمضان صورة الأخوة والتلاحم الحقيقي بين الجزائريين لاسيما وأنها تشكل مكانا للالتقاء على طاولات الفطور كل مساء طيلة الشهر الفضيل. ويقول طراوري في هذا السياق »لدينا في العاصمة باماكو مساجد تجمعنا على الإفطار في رمضان ومنها »المسجد الكبير« حيث يعمل الرجال على جمع مواد غذائية مختلفة، فيما تهتم النساء بتحضير الأطباق، ويجتمع الكل على مائدة الافطار عند أذان المغرب، ولا أرى فرقا بين رمضان في الجزائر ومالي، وضحك طراوري قليلا لأنه تذكر بعض الكلمات بلهجتنا التي حفظها عن ظهر قلب وقال أعرف »ما عليش، اسمع، شويا، تاعنا..«. ويرى ماليون ونيجيريون ممن أخبرونا بأنهم بدأوا الصيام في بلدانهم وآخرون اعتنقوا الإسلام على يد جزائريين، فعرفوا الصوم والصلاة هنا، وأن العمل التضامني من مناقب الإسلام والمسلمين، ما جعلهم يتعلقون بهذا الدين الحنيف واصفينه بالدين الرحيم، فغيروا بذلك أسماءهم ونمط معيشتهم. اقترب موعد الأذان دخلنا مع هؤلاء وجالسناهم على مائدة الإفطار، وبالرغم من أن لهجاتهم غير مفهومة لدينا ومنها »البامبارا« المالية، إلا أنهم كانوا يجيبون بكل طلاقة عن استفساراتنا بعد أن تراجعوا عن رفضهم للحديث معنا، كونهم شعروا بأننا نمتهن مهنة المتاعب وسننقل شيئا عن حياتهم هنا أو هناك لكن وبما أننا نحسن تكلم »السواحلية« إلى حد ما فقد قبلوا بنا كأصدقاء فلم يخفوا عنا خبر وجود بعض الأفارقة ضمنهم لا يصومون البتة، وإنما يصطحبونهم للأكل في مطاعم الرحمة وهم من السينغال، النيجر والكاميرون، وبعض هؤلاء الذين لايصومون يؤمنون بأنهم مذنبون غير أنهم يلقون باللوم على أبائهم الذين أدخلوهم دوامة بعض الاعتقادات، فهم لم يغيروا من اعتقاداتهم خوفا من التشتت الأسري في بلدانهم الأصلية حسب تأكيداتهم.