استقطبت وعدة الولى الصالح "سيدي أمحمد الواسيني" التي احتضنتها مدينة مغنية، على مدار يومين مؤخرا، وفودا غفيرة من مواطنى ولاية تلمسان وحتى الجهة الغربية من الوطن، إذ لم ينقطع السكان عن إقامتها منذ قرون لما لهذه المناسبات من دور في ربط حاضرهم بماضيهم، كما يؤكد على ذلك منظمو هذه الاحتفاليات. عاش سكان بلدية مغنية وبلدياتها المجاورة أجواء من الفرجة، طبعتها فعاليات إحياء وعدة الولي الصالح الذي يقترن اسمه بالمنطقة، وهو الموعد التي يضربه كل سنة في مثل هذه الأيام سكان الجهة وغيرهم من الضيوف القادمين من كل حدب وصوب من ربوع الجزائر، خاصة من الجهة الغربية، على غرار تلمسان، سيدي بلعباس، تيارت، عين تموشنت... وغيرها، ممن اعتادوا تبادل الزيارات في مثل هذه المناسبات للمشاركة بفرسانهم وزيارة ضريح الولي الصالح "سيدي أمحمد الواسيني" الذي ولد في حدود سنة 1771 بالسهل الخصب الممتد على أطراف نهر مويلح ونهر تافنة، وينسب "سيدي أمحمد الواسيني" إلى سحيق بن واسين توفي رحمه الله سنة 1846م، ويعد ضريحه مقاما صالحا موقرا ومزارا سنويا. يتكفل بإقامة هذه الوعدة أحفاد الولي الصالح وعرش بني واسين من سكان بلدية مغنية، من خلال نصب الخيم في المكان المخصص لتلاقي الجميع، كما تقوم جماعات بتلاوة القرآن الكريم وتشكل لجان مسؤولة عن إطعام الزوار وإقامة فنتازيا الفروسية التي تستقطب جمعا غفيرا من سكان الجهة وغيرهم من الزوار، وما ميز الوعدة هذه السنة؛ تنظيم نشاطات رياضية فلكورية وثقافية وألعاب رياضة العصي وحتى تجارية في الزي التقليدي. "الوعدة مناسبة لربط حاضر المغناوة بماضيهم" في هذا الصدد، أكد السيد بوحسون عبد الحميد عضو بجمعية زاوية الولي الصالح "سيدي أمحمد الواسيني" الحاجة مغنية بأن كل الظروف كانت مواتية لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية الشعبية واستقبال الضيوف التي سخرت من طرف مصالح البلدية التي جهزت العدة من كهرباء وماء على مدار 24 سا وتنظيف المحيط، كما تكفلت الأجهزة الأمنية من رجال الدرك والشرطة بالسهر على أمن وسلامة الوافدين إلى الوعدة، خاصة على مستوى الطرق المؤدية إلى "سيدي أمحمد الواسيني"، مضيفا في سياق حديثه ل"المساء" على هامش إحياء هذه التظاهرة الشعبية أن وعدة الولي الصالح "سيدي أمحمد الواسني" التي عرفت مشاركة 15 علفة، أي ما يعادل 180 فارسا من سعيدة، البيض، تيارت، مستغانم... وغيرها هي من أكبر هذه المواعيد التقليدية التي تشهدها منطقة مغنية على مستوى ولاية تلمسان، لما تستقطب من زوار من مختلف أنحاء الوطن، حيث يتم تنظيم هذه الوعدة عادة خلال الأسبوع الأخير لشهر أوت، غير أن هذه السنة تم تأخيرها استثناء لتزامنها مع عيد الأضحى المبارك ويكون اليوم الأول منها حسب التقاليد، مخصصا لنصب الخيمة بمشاركة كل العروش المشكلة لمنطقة مغنية وفي مقدّمتهم عرش "بني واسين"، مع إقامة سهرة دينية تتخللها تلاوة القرآن الكريم ومواعظ دينية ينشطها فقهاء في الدين وأئمة من مساجد مغنية، حيث تستقطب هذه الوعدة سنويا عشرات آلاف المواطنين الذين يتابعون المدائح الدينية ويستمتعون بألعاب الفروسية. كما تعتبر ملتقى للأهالي والأحباب ومقصدا للتراحم، حيث أن التظاهرة الثقافية هذه التي تمتد جذورها إلى زمن بعيد، كان يلتف حولها الشعراء والمداحون والزمّارون الذين كانوا يحوّلون التظاهرة إلى عرس حقيقي تحدوه الألفة والأخوة وصفاء النفس، قد تدوم حسب منظميها أسبوعا كاملا، إذ تبدأ قوافل الناس بالتوافد على منطقة مغنية مع بداية الأسبوع، لوصل الأرحام من جهة والتبرك بضريح الولي الصالح "سيدي أمحمد" من جهة أخرى والترحم عليه، كما تعتبر هذه الوعدة المخلدة من أكبر التظاهرات الثقافية بالمنطقة وطابعا موروثا أبا عن جدّ لعرش أولاد سيدي أمحمد الواسني، لما تحمله هذه العادة الحميدة من بعد روحي وحضاري اتخذ منها سكان مغنية عامة وبني واسين خاصة وأقرباؤهم، موعدا للقاء والتزاور والتشاور بين كبار العرش والتصالح بتجديد العلاقات بين أفراد العرش الذي حافظ عنه الأهالي بنسقه وطقوسه عبر العصور، رغم التقدم الحضاري في ظل المعلوماتية وتبادل الثقافات والعولمة الشاملة، فضلا عن معايشة فنتازيا الخيول والبارود التي يشارك فيها عشرات الفرسان الذين يأتون من مختلف الولايات بزيّهم التقليدي المتمثل في البرنوس الجريدي والسروال العربي والشاش "القنار" المصفف بالخيط والبندقية، ليسحروا العيون بعروضهم الرائعة أو ما يسمى في الكثير من المناطق "بالعلفة"، وما يزيد المشاهد روعة وجمالا؛ تلك الزغاريد المنبعثة من هنا وهناك تعبيرا عن الفرحة التي أحالت الوعدة إلى عرس حقيقي يسوده النظام والاحترام المتبادلين، فضلا عن حفاوة استقبال الأهالي لضيوفهم والعابرين من شيوخ العرش والوفود الحاشدة في كل بيت تأكيدا على الكرم الفياض، حيث لا يخلو بيت من الضيوف، ونظرا لازدحام الوافدين تنصّب الخيم في كل مكان عبر الساحات، حيث يفرش الباسط وتصف الموائد وتحضر جفان الكسكس واللحم الشهي فيأكل الجميع هنيئا ويشربون مريئا. كما أن هذه الوعدة التي يقصدها أبناء المنطقة والزوار من مختلف ولايات الوطن ليست فرصة للقاء والتعارف والتزاور والمصاهرة فقط، وإنما كانت مكانا لحل الكثير من القضايا التي لا تذهب إلى العدالة، والتي يتم حلها وديا بين كبار العروش، لاسيما تلك الخلافات التي تحدث في أغلب الأحيان على الحرث والحدود العرشية والاختلاف بين العائلات في مسألة ورث أو طلاق. وقد أجمع الحضور من الشيوخ الذين أتوا من مختلف مناطق ولايات الوطن، على نجاح هذه التظاهرة التي تميزت بتوطيد روابط الأخوة والتعاون بين أهل البلدة الواحدة والتكافل من خلال القيام بواجب الضيافة وإطعام ابن السبيل، واختتمت بالدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى بأن يحفظ هذا البلد وأن يرزق أهله الأمن والأمان وأن ينعم عليه هذه السنة بغيث نافع.