يعترف الاتحاد الأوروبي وحتى الولاياتالمتحدة باحترافية الإعلام الجزائري الذي قطع أشواطا كبيرة وهامة، حيث تُعد الجزائر من بين الدول الأكثر تقدما في مجال حرية التعبير والصحافة مقارنة بالعديد من الدول.. غير أن التقدم فرض على القطاع قطع المزيد من الخطوات نحو الأمام، ورفع درجة التميز بشكل يعيد المهنة إلى هدفها الرئيس والأسمى ووظيفتها الحقيقية، ويصحح الاختلالات التي فرضتها التغيرات التي عرفها الإعلام والمحيط بشكل عام. ومن هنا جاءت جائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف، التي وإن كانت تشكل اعترافا واضحا بعطاءات الصحافي، فهي دافع وحافز نحو التغيير؛ من خلال تصحيح واقع الممارسة الإعلامية والدفع بها نحو الاحتراف الحقيقي. تحيي الأسرة الإعلامية الجزائرية اليوم عيدها الوطني المصادف ل 22 أكتوبر من كل سنة، وسط رهانات وتحديات كبرى؛ سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي بالنظر إلى الحراك السياسي الذي تعرفه البلاد، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والتهديدات الأمنية. الصحافة الجزائرية وسط هذا الزخم، مطالبة بالعودة إلى القيم والمبادئ الأصيلة للإعلام، المبنية أساسا على الاحتراف والمهنية التي ينادي إليها الكثيرون. من هذا المنطلق ما فتئ رئيس الجمهورية يبدي اهتماما بالغا بانشغالات الأسرة الإعلامية، معبّرا عن "دعمه التام" لحرية الصحافة. ففي 2013 جدّد الرئيس بوتفليقة التزام الدولة بتزويد الصحافة الوطنية وقطاع الإعلام بآليات قانونية وبأشكال دعم مختلفة، تسمح له بأداء مهامه النبيلة. كما أعلن في نفس السنة عن تأسيس يوم وطني للصحافة، يتم إحياؤه يوم 22 أكتوبر من كل سنة، وهو اليوم الذي يصادف صدور أول عدد من جريدة المقاومة الجزائرية لسان حال جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني في 1956. دعم الرئيس القطاع واهتمامه به لم يتوقف، فرأى أنه من الضروري أن يقيّم القطاع بشكل دوري بتتويج أحسن الأعمال، فأعلن يوم 3 ماي 2015 بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير، عن استحداث جائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف، وهي جائزة تقدَّم للصحفي الجزائري في يوم الاحتفال الوطني بالصحافة. وتم تأسيسها يوم 21 من نفس الشهر بموجب مرسوم رئاسي، وتأتي "تعبيرا عن اعتراف الأمة بعطاء الصحافي المحترف وبلائه الحسن في تكريس مبادئ حرية التعبير وإشعاع فضائلها". الجائزة تدخل في إطار مشروع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لاحترافية الصحافة إلى جانب جائزة للاحترافية وجائزة لأخلاقيات المهنة، وتتمثل في شهادة تقديرية ومكافأة مالية تقدّر قيمتها ب 1.000.000 دج للفائز الأول، و500.000 دج للفائز الثاني، و300.000 دج للفائز الثالث. رئيس الجمهورية ومواصلة لدعمه للقطاع الذي يُعد أحد الركائز الأساسية لاستكمال بناء الديمقراطية في البلاد، دعا المهنيين والناشرين إلى "تحمّل مسؤولياتهم" من حيث التكوين والاستثمار في مؤسساتهم؛ ضمانا لديمومة التشغيل فيها والرفع من قدرات وكفاءة المهنيين، مضيفا أن مثل هذه الجهود ينبغي أن تترجَم أيضا في تحديث أدوات الاتصال واحترافية أداء هذه المؤسسات مع التقيد بأحكام منظومة التشريع والتنظيم. الاحتفال باليوم الوطني للصحافة والقطاع يعرف تكريسا حقيقيا لحرية التعبير الذي يجسده التعديل الدستوري الأخير، الذي كان له الأثر الكبير في الرقي بمهنة الإعلام في الجزائر، حيث نص في تعديلاته على حرية التعبير وعدم تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. وأعطى الحق للصحفي في نقل المعلومة من المصدر وتداولها، كما لا يجب أن يخضع الصحفي لعقوبة سالبة للحرية وهذا مع احترام أخلاقيات المهنة... وكُرست حرية الصحافة في الدستور من خلال المادة 51 من الدستور المعدل الذي صادق عليه البرلمان في شهر فيفري 2016، والتي تنص على أن "حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية، مضمونة، ولا تقيّد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية"، كما "لا يمكن استعمال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم"، بالإضافة إلى أن "نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية، مضمون في إطار القانون واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية"، حسب المادة نفسها التي تنص على أنه "لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية". واعترف أهل الاختصاص بأن ما جاء في الدستور المعدل يُعتبر "مكسبا كبيرا، وأيا كان الدافع أو الإساءة أو الشتم أو القذف أو التهجم، فإن الصحفي لن يتعرض للحبس من الآن فصاعدا". ولعل هذه المكاسب هي بحاجة إلى مزيد من الممارسة والمهنية وكذا الاحترافية، بما يضمن تعميق المسار الديمقراطي، الذي تبقى السلطة الرابعة بالجزائر أحد ركائزه الأساسية، فهو رهان من أجل جزائر متطورة، وصحافة مسؤولة، قادرة على تبليغ الرسالة وتنوير الرأي العام بما يخدم مصلحة الشعب والوطن ويضمن تماسك اللحمة الوطنية.