إغتنمنا الذكرى 62 لأفضل الشهور لنعيد نشر هذا الاستطلاع الذي كنا أجريناه ونشرناه سابقا في مناسبة مماثلة . وشكل أيضا مادة مشاركة في المسابقة التي نظمتها وزارة المجاهدين «جائزة أبناء نوفمبر». إعادة نشر ما سبق نشره غير مألوف حتى لا أقول غير محبذ وهذا ليس من عادتي لولا أن النتائج المترتبة عن صدمة عملية السبر التي قمت بها ظلت قائمة. وتفاعلاتها وارتداداتها متواصلة. بل قد أقول لم تلتئم بعد . أنا رغم مرور فترة طويلة على عملية السبر لكن بصراحة مازلت تحت صدمة تلك الأجوبة !). الموضوع ظل يثير الردود والنقاشات رغم طول مدة نشره . نعيد نشره بدافعين على الأقل . أولا : أن مبررات السبر لم تتغير وظلت قائمة . ثمة تراخ حتى لا أقول ابتعادا عن منابع نوفمبر ووهج الثورة. من هذا المنطلق كنا أجرينا عملية السبر تلك. بسيطة الأسئلة عميقة الأبعاد والمغزى . حاولنا من خلالها استقصاء مدى معرفة وإلمام الجزائريين بتاريخ ثورتهم وصناعها ثانيا : نريد أن نجدد ونؤكد ونرسخ بأن لولا نوفمبر ما كانت الجزائر . هو نبراسنا . وكلما تنكرنا أو جحدنا تضحيات أبطالنا وشهدائنا ومجاهدينا اقتربنا أكثر إلى الفناء والطمس والفتنة الكبرى . إن نوفمبر هو الذي يجمعنا . ونوفمبر هو حامينا. ونوفمبر هو السراط المستقيم . هو حبل الله العظيم الذي حبانا به . فعلينا أن نعتصم بنوفمبر العظيم. اعتقدنا لما أجرينا هذا السبر أننا من خلال تبسيط الأسئلة نتلقى ردودا وإجابات سريعة وفي متناول الجميع . لكن للأسف كانت دهشتنا كبيرة، وصدمتنا أعظم. إذ عجز حتى أولئك الذين كنا نعتقد جازمين أنهم من أهل الاختصاص عن الإجابة . طرحنا ثلاثة أسئلة مباشرة على أساتذة جامعيين ومسؤولين في مواقع ومناصب عليا من المسؤولية الإدارية والمؤسساتية، ومنتخبين (بما في ذلك نواب ) .. وإطارات مختلفة الوظائف، أطباء وصيادلة، ومقاولين وأساتذة في مختلف أطوار التعليم، ومعلمين، وصحافيين، ونقابيين، وطلبة جامعيين، وتلاميذ ثانويين ومتوسطين، وحتى من التعليم الابتدائي، ومنتمين لمنظمات جماهيرية مختلفة، ومناضلي أحزاب (بما فيها تلك التي تتخذ من نوفمبر مرجعية خطاباتها وحملاتها الانتخابية ...) وأيضا على تجار ومتقاعدين، ومواطنين من مختلف الشرائح ... بتعبير أشمل وأوسع طرحنا أسئلتنا على جزائريين في قطاعات مختلفة، بل حتى على بعض المجاهدين أنفسهم .. سؤال أول.. سؤال ثان .. سؤال ثالث حملنا ثلاثة أسئلة مباشرة، وطرحناها على ما لا يقل عن 100 شخص من مختلف الأعمار (شيوخ، نساء، كهول، شبان وفتيات ... ) يمثلون درجات متفاوتة في السن والمستوى الاجتماعي والتعليمي والتربوي ... هذه العينة تنحدر مما لا يقل عن 20 ولاية ، غالبيتها من الشرق والوسط الجزائري . الأسئلة كانت على النحو التالي: اذكر أكبر عدد ممكن من «مجموعة 22» التي أعدت بيان فاتح نوفمبر وخططت وفجرت ثورة التحرير ؟ . اذكر أسماء الباقين على قيد الحياة من هؤلاء الأبطال ؟ ( أطال الله عمرهم، ورحم شهداءنا الأبرار ) . متى انعقد أول اجتماع تحضيري للقادة 22، لإعداد مخطط انطلاق الثورة ؟ . من المؤسف في البداية أن أؤكد بأن لا أحد ممن طرحنا عليهم أسئلتنا أجاب إجابة صحيحة، وذكر أسماء أبطال المجموعة كاملة وصحيحة. أحسن وأفضل المجيبين توقفوا عند ذكر 12 اسما صحيحا من أصل 22 بطلا. عدد الإجابات الصحيحة بلغة المصححين كان 32 من أصل 100 مستجوبا . وهؤلاء أغلبهم من المجاهدين والباحثين والأساتذة الجامعيين وبعض المعلمين والمناضلين، و5 فقط منهم من المواطنين البسطاء . 11 مستجوبا توقفوا عند ذكر 8 أسماء صحيحة من أصل 22 . 17 من مختلف مستويات المستجوبين، أعطوا 6 أسماء صحيحة من مجموعة 22 . 64 مستجوبا ممن شملهم رصدنا لم يخطئوا في استظهار 4 أسماء صحيحة، ودون تردد وهي (زيغود يوسف ومصطفى بن بولعيد وديدوش مراد والعربي بن مهيدي) . 58 آخرين (من مختلف المستويات للأسف) أعطوا إجابات مثيرة للغرابة والدهشة، تنم عن جهل فادح بتاريخ الثورة، ومضحكة ، لكنه ضحك كالبكاء . أدرجوا بعض الأسماء، بالتأكيد هي من المقاومة أو مجاهدة عبر مر تاريخنا التحرري، وهي أيضا أوزان وطنية خالصة، لكنها لم تكن من مجموعة 22... لقد ذكر بعضهم أسماء أبطال آخرين كالأمير عبد القادر وللا فاطمة نسومر وعلي لابوانت وآيت أحمد وبن بلة وبومدين وحسيبة بن بوعلي وفضيلة سعدان وجميلة بوحيرد وياسف سعدي ووزير المجاهدين الحالي وبوتفليقة وزروال وبن جديد وبن باديس ومهري ومفدي زكرياء ... حول السؤال الثاني، المتعلق بعدد الباقين على قيد الحياة من «مجموعة 22»، تضاربت الإجابات واختلفت، ولم ترد سوى ثلاث إجابات صحيحة من أصل 100 مستجوبا. إجابة واحدة كانت صحيحة وذكرت ثلاثة أسماء . في حين ذكر ما لا يقل عن 65 مستجوبا اسمين صحيحين وهما عمار بن عودة وسي عثمان بلوزداد . آخرون ذكروا أسماء اعتقدوا أنها مازالت على قيد الحياة كبن طوبال مثلا. (للعلم فإن الباقين على قيد الحياة أطال الله عمرهم ثلاثة وهم : عثمان بلوزداد وعمار بن عودة وعبد القادر لعمودي) . بشأن السؤال الثالث المتعلق بتاريخ أول اجتماع تحضيري ل»مجموعة 22» لتحضير بيان أول نوفمبر التحريري، 34 أجابوا إجابة صحيحة. واعتذر كثيرون عن تذكر التاريخ بدقة للسن أو بسبب المتاعب اليومية للحياة . في حين خلط 41 ولم يميزوا بين الاجتماع التحضيري لإعداد بيان أول نوفمبر، وبداية الكفاح المسلح وطنيا في خير ليلة أخرجت للجزائريين أي ليلة أول نوفمبر 1954 المجيدة . يجدر التذكير بأن أول اجتماع تحضيري انعقد في 23 جوان 1954. أما الاجتماع الثاني المخصص للمصادقة على محتوى نداء أول نوفمبر فتم يوم 24 أكتوبر 1954. نشير في الأخير إلى أن ما يمكن استنتاجه من عملية السبر التي قمنا بها ، أن ترسيخ مرجعيتنا التاريخية في أذهان النشء مهمة ملحة. وأن تراكم ومرور السنوات بات يهدد الذاكرة الجماعية للجزائريين والأمة بأسرها، بالنسيان والمحو .. لقد حبانا الله بأعظم ثورة في تاريخ البشرية ، ثورة حررت الإنسان وعجلت باستقلال الشعوب ، وأعتقت من استعمروا واستعبدوا وعجلت بثوراتهم وانتفاضاتهم لانتزاع حرياتهم .. لقد استلهموا من شجاعة وتضحيات أبطالنا، ليصنعوا تاريخهم وثوراتهم .. في حين ابتعدنا نحن الجزائريين كثيرا عن وهج وإلهام ثورتنا فخمدت شعلة التحرر فينا أو تكاد . مؤسف أن نجهل حتى أسماء أبطالنا الذين صنعوا مجدنا وفكوا أغلالنا وحرروا فكرنا، وعلمونا لغة الكلام في صمت الاستعباد وجبروت الاستدمار .