أسدل الستار، أمس، بقصر الثقافة «عبد الكريم دالي» بإمامة بتلمسان على فعاليات أشغال الملتقى الدولي الأول من نوعه تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، وبإشراف من والي ولاية تلمسان وجامعة تلمسان تحت عنوان «بن بلة في بعديه الوطني والدولي» المنظم بمناسبة إحياء الذكرى المئوية لميلاد أول رئيس للجزائر المستقلة. وقد تميز اليوم الثاني والأخير منه بقراءة التوصيات التي خرج بها المشاركون والتي رفعتها اللجنة المنظمة للملتقى إلى الجهات الوصية، مع تكريم المشاركين من أساتذة ودكاترة وباحثين أكاديميين من مختلف جامعات الوطن والأجنبية، إلى جانب شخصيات وطنية، مع تنظيم جولة سياحة للوفود عبر مختلف المعالم السياحية والأثرية لولاية تلمسان. كما عرف اليوم الثاني والأخير عدة مداخلات قيمة قدمها أستاذة ودكاترة باحثين من مختلف جامعات الوطن والقادمين من الدول الأجنبية خصيصا للمشاركة في هذا الملتقى، حيث قدّم الدكتور مصطفى نويصر من جامعة الجزائر2، في مداخلة له حول حقائق وأسرار في المسار النضالي لأحمد بن بلة سنتي (1949 1956)، بعض المذكرات والشهادات الجزائرية والعربية وعلاقة الرئيس أحمد بن بلة برؤساء العرب. ومن بين الشهادات التي ذكرت أن الرئيس احمد بن بلة طالما عرف بتواضعه وكان لا يحب كلمة «الأنا»، وكان دائما يرفضها، على غرار مداخلة الأستاذة والدكتورة «عبو نجاة» من جامعة البويرة حول «حكومة أحمد بن بلة وأبرز منجزاتها، قراءة نقدية تاريخية»، والتي تناولت فيها أهم المنجزات وأبرزها في حكومة أحمد بن بلة.كما أكدت المحاضرة على هامش هذه المداخلة أنه يصعب تقييم فترة أحمد بن بلة لأنها كانت قصيرة جدا وأيضا الظروف التي كانت تمر بها الجزائر بعد الاستقلال، إذ كانت حرجة وسيئة لكل الميادين والمجالات، خراب اقتصادي، اليتامى، المتشردين، اللاجئين... إلخ، مضيفة أن أحمد بلة واجه صعوبات كبيرة في إعادة بناء الدولة الجزائرية المستقلة الحديثة، إلا أنه حاول بأسلوبه الخاص إعادة بناء هذه الدولة لتطبيقه للتسيير الذاتي وكذلك مجانية التعليم وبناء المدارس والمستشفيات... الخ. وعن البعد الإنساني للراحل أحمد بن بلة قدّم الدكتور مصطفى خياطي محاضرة بعنوان «بن بلة الرجل الرائد في حماية حقوق الأطفال بالجزائر» تطرق فيها إلى الدور التضامني لبن بلة وأثره في الدفاع عن حقوق الطفل في الجزائر، وكيف استطاع هذا الزعيم أن يكسر فكرة إهانة الأطفال الاستعمارية، وإرجاع الكرامة لهم بالقضاء على ماسحي الأحذية. أما مداخلة الدكتور أحمد بن داود من جامعة تلمسان تحت عنوان «أحمد بن بلة ودوره في الإمداد بالسلاح.. عملية يخت دينا نموذجا»، وهي إحدى العمليات الرائدة التي كان على رأسها الزعيم الراحل أحمد بن بلة، حيث استطاع بفضل فطنته وحسن تدبيره أن يجعل السفينة تتخطى كل الحواجز في رحلتها العصيبة. وفي مداخلة أخرى حول «المناضل أحمد بن بلة من خلال أحاديث وحوارات أجريت معه ومواقف وطنية وإقليمية»، قدم الدكتور جمال يحياوي من الجزائر العاصمة، شهادات حيّة عن المرحوم بحكم زياراته الكثيرة والمتكررة لبيته. بالإضافة إلى مداخلة الأستاذين مناصرية يوسف من جامعة باتنة وعبد المجيد بوجلّة من جامعة تلمسان حول «دور الرئيس أحمد بن بلة في الثورة التحريرية 1954 1956»، تطرقا فيها للدور الذي لعبه الزعيم أحمد بن بلة في هذه الفترة الحساسة، ومن بين النقاط التي شدّد عليها الأستاذان على ضرورة تغيير مصطلح عملية السطو على بريد وهران، فهذا المصطلح حسبهم يرمز إلى الانحراف ولكن في الحقيقة هي عملية بريد وهران لأنها كانت عملية تخطيط من أجل توفير الأموال لشراء الأسلحة والتحضير للثورة، باعتبار أن هذه الأموال هي أموال الجزائريين والجزائر. كما أكد الأساتذة المشاركون في الورشتين العلميتين أن نجاح الثورة الجزائري كان مرتبطا بالقادة الذين عرفوا بشجاعتهم، وتضحياتهم وحبهم لوطنهم الجزائر الذي ضحوا من أجله بالنفس والنفيس لاسترجاع سيادته، ونجاحهم كان ثمرة عبقريتهم السياسية والعسكرية التي أظهروها متحدين كل المشاريع والمخططات التي وضعها الاستعمار للقضاء على الثورة. وأكد المشاركون كذلك أن أحمد بن بلة الذي رحل ولم ترتحل معه الذاكرة التي تحكي مسيرة نضاله الطويل من هؤلاء القادة الرواد الوطنيين النشطاء الذين آمنوا بالنضال السياسي والعمل المسلح. الأستاذ عبد القادر مساهل وزير الشؤون المغاربية والإفريقية والجامعة العربية: هو أحد الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية قال عبد القادر مساهل وزير الشؤون المغاربية والإفريقية وجامعة الدول العربية إن بن بلة رجل عظيم كرس حياته كلها خدمة للوطن، وشخصية بارزة ذات بعد دولي لعبت دورا كبيرا في استقلال البلاد والدفاع عن القضايا العادلة، كما دافع على أفكار أصبحت الآن في أجندة دولية. مضيفا أن الملتقى بمثابة عرفان وتقدير لرجل خدم الإنسانية وكل الشعوب المحبّة للسلم والسلام، فحياة احمد بن بلة جزء لا يتجزأ من تاريخ الجزائر وإفريقيا، فقد تجاوز نضاله حدود الجزائر وأصبح مصدر إلهام للثوار في العالم أجمع. فالحديث عن رجل من وزن بن بلة، يضيف السيد مساهل، ليس بالأمر الهين بالنظر إلى كفاحه والتضحيات التي قدّمهامن أجل تحرير بلاده وبلدان إفريقية، خاصة وأنه يعتبر أحد الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية، وحدّد تحرير كل القارة الإفريقية كأولوية ولم يتردد في دعم حركات التحرر. الدكتور سعيدي محمد عضو لجنة تنظيم الملتقى: المداخلات التي لم تبرمج سيستفاد بها من خارج الملتقى أوضح الدكتور محمد سعيدي، عضو لجنة تنظيم الملتقى أنه عرف حضورا علميا متميزا لأساتذة من داخل الوطن وخارجه وأن له أكثر من قيمة علمية تاريخية لأنه اعتراف بما قدمه هذا الرجل للجزائر وللعرب وإفريقيا، فالملتقى من خلال المحاور كان متنوعا وثريا معرفيا. فالمحاضرات كانت كلها قيمة جدّا، ولكن التي لم يتم إلقاؤها لضيق الوقت ستنشر في مجلاتنا وتلقى في ملتقيات أخرى وسوف نستفيد منها. الدكتورة نجاة عبو من جامعة البويرة: أحمد بن بلة من أوائل المؤمنين بفكرة وحدة الكفاح المغاربي أولا أتقدم بجزيل الشكر لكل القائمين على تنظيم هذا الملتقى وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، وثانيا فإن نيلي جائزة أحسن عمل أكاديمي حول المسيرة النضالية لأحمد بن بلة كان ثمرة عمل دام حوالي سنة نظرا لقلة المادة العلمية والمراجع، حيث تناولت في مرحلة الليسانس عنوان المذكرة «النضال السياسي لأحمد بن بلة 1945 1962»، ثم تناولت في الماجستر موضوع أحمد بن بلة وكانت موسومة بتحرر الوطن ووحدة المغرب العربي لدى أحمد بن بلة وصالح بن يوسف، دراسة تاريخية مقارنة 1945 1961. العمل الأكاديمي «أحمد بن بلة مناضلا وطنيا ومغاربيا 1945 1962» الذي نلت به الجائزة ركزت فيه على السيرة الذاتية لأحمد بن بلة من مولده ونشأته وتعلمه والظروف التي ساهمت في بلورة فكره وشخصية أحمد بن بلة الثورية. الدكتور جمال يحياوي مدير مركز البحث «صادق»: كانت لي زيارات كثيرة لبيته هو حدث مهم سواء من الناحية الرمزية أو التاريخية، لأنه يتعلق بإحياء مئوية واحد من المناضلين الكبار في العالم العربي وإفريقيا والعالم، فالرئيس الراحل أحمد بن بلة يعتبر نموذجا للمناضل الملتزم بقضايا شعبه ووطنه وبقضايا محيطه الإقليمي والدولي. بالنسبة للحدث بحدّ ذاته هو فقد ميزه مشاركة العديد من الأكاديميين من مختلف الجامعات سواء في الجزائر أو من خارجها، وأيضا رفقاء الرئيس الراحل من مختلف دول العالم والذين عملوا معه في مواقع مختلفة. أما بالنسبة لمداخلتي فكانت عبارة عن شهادة متواضعة، حيث سمحت لي الظروف أن أرافق الرئيس في مهام خارج الجزائر في مختلف الدول العربية خاصة ومرافقة له أيضا في بيته وزيارتي المتكررة عندما كنت مديرا لمركز البحث لسنوات طويلة وكانت هناك لقاءات كثيرة جدّا مع الرئيس خاصة في بداية 2002 حين إنجازنا لموسوعة حول تاريخ الجزائر وتسجيل شهادات حيّة. البروفيسو مصطفى خياطي: بن بلة قضى على ظاهرة الأطفال ماسحي الأحذية المؤتمر يبيّن أن المرحوم الحاج أحمد بن بلة مناضل وسياسي ولكن له بعد إنساني وعلينا أن نذكره ولا نغفله، أحمد بن بلة كان اتخذ غداة الاستقلال إجراءات هامة من بينها إرجاع الكرامة للأطفال الجزائريين بمنع ظاهرة ماسحي الأحذية. فأنا كنت صبيا غداة الاستقلال وعرفت أحمد بن بلة خلال التسعينات وبداية الألفية وتكرم بتسييره لمرصد حقوق الطفل الذي أنشأناه وكانت هناك ذكريات كثيرة معه، منها زيارته إلى مركز بن طلحة ولقائه أرامل ضحايا العشرية السوداء ومع اليتامى وعمله على توفير إمكانيات مالية ليتامى العشرية السوداء للسماح لهم بمتابعة دراستهم. ما أقوله لكم أن اللجنة العلمية لتنظيم هذا الملتقى الدولي وقفت على عدة جوانب من شخصية بحيث نرى الرجل الذي لع بعد إنساني وكذلك نرى الرجل الذي لعب دورا على المستوى الدولي وفي إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأسيا.