نظم المجلس الأعلى للغة العربية، أمس، بالمكتبة الوطنية احتفالية باليوم العالمي للغة الضاد المصادف ل18 ديسمبر وذلك من خلال برنامج ثري رسّخ الدور الريادي الذي تحاول العربية الوصول إليه من خلال العمل الأكاديمي والثقافي مع إعطاء اعتبار واضح للروابط المتعلقة بجانب الهوية، كما تضمّنت الفعالية أيضا تكريمات ومداخلات وقراءات شعرية من وحي لغة العرب. في كلمته الترحيبية، أكّد الدكتور صالح بلعيد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية على الوعي اللغوي المصاحب لحركة النهضة والتقدّم والذي لا يتأتى سوى بتضافر الجهود وتكاملها، مضيفا أنّ المعرفة لا تكون بلا لغة ولا تكون الثقافة بلا لغة، كما لا تكون الهوية بلا لغة، فاللغة هي حجر الأساس في عمليات التفكير والإدراك، وهي السبيل إلى المعرفة، وهي وسيلة التواصل والتفاهم والتخاطب والتعبير عن المشاعر. وقال رئيس المجلس الأعلى للغة العربية إنّ اللغة العربية تخطو «خطوات ثابتة نحو التقدّم»، وثمن قرار منظمة الأممالمتحدة القاضي بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية في الأممالمتحدة وعلى جعلها ضمن اللغات العشر الأكثر انتشارا في العالم، وقال أن هذا «القرار الحضاري يبرز الإسهام المعرفي والعلمي لهذه اللغة ولأعلامها العاملين على تطويرها في مختلف مناحي المعرفة», مشيرا إلى أنّ إحياء هذا اليوم يعدّ بمثابة «تأكيد لأهمية اللغة العربية ومكانتها في مؤسسات الدولة الجزائرية التي تعمل على تطويرها وترقيتها في مختلف المجالات». وذكر في هذا الصدد ب«المكتسبات التي تم تحقيقها في الواقع على غرار استعمالها في المدرسة والجامعة والتكوين ومراكز البحث»، مضيفا أن المجلس الأعلى للغة العربية «يبذل جهودا معتبرة من أجل تحقيق نقلة نوعية في مجال ترقية اللغة العربية وتمكينها من ولوج عالم التكنولوجيا حتى تكون لغة منتجة للعلم». وفي هذا الصدد، شدد السيد بلعيد على ضرورة «الاعتزاز باللغة العربية وتدعيم الجهود الرامية لتحقيق ازدهارها والبحث عن أفضل السبل لتطويرها الوظيفي مع الحفاظ على هويتها الثقافية». نشّط الدكتور عثمان بدري اللقاء الذي حضره العديد من الوزراء والإطارات منهم السيدة بن غبريط وعائشة طاقابو وزهور ونيسي ومحي الدين عميمور وسي الهاشمي عصاد رئيس المحافظة السامية للأمازيغية وعدة شخصيات وطنية، وأعلن بدري عن انطلاق التكريمات، فاستهلت بتقديم هدية رمزية عبارة عن شهادة لرئيس الجمهورية راعي الاحتفالية سلمت لمستشاره الدكتور سعد الدين نويوات الذي كرّم أيضا ببرنوس ومجموعة كتب سلمها له السيد أبو عبد الله غلام اللّه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى. كما ألقيت بالمناسبة محاضرة بعنوان «اللغة والهوية في عالم اليوم» للدكتور عبد الله العشي من جامعة باتنة، حيث أشار في بداية حديثه إلى أنّ الهوية اليوم في محنة، تماما كالعروبة التي تمر بفترة لم تشهدها من قبل في التاريخ، حيث كانت الهويات في الماضي تتعايش، بينما اليوم تخضع للتهميش والسحق، وهو أمر تفرضه طبيعة العالم المعاصر، المبني على العولمة الجائرة، وعلى ما بعد الحداثة، الهادفة إلى تفتيت الهويات حتى الأوروبية منها، وأيضا مبنية على اقتصاد السوق، لتصبح الثقافة مجرّد سلعة لا تملك العمق والمعنى وهي صدمة يعيشها العالم العربي والإسلامي، ويوضّح أنّ الخلل يكمن عندنا في توصيف الواقع والتداخل في مفهومي الدولة والأمة الموارثة بالقيم والتاريخ عكس الدولة التي هي مجرد بناء، أما فيما يتعلق باللغة فيرى أنّها تتطوّر كلما تطوّرت الثقافة والعكس صحيح. بعدها، قدمت الأستاذة أحلام بن عمرة عرضا مصوّرا بعنوان «المطابع القديمة ودورها في الحفاظ على الحرف العربي»، ومن تلك المطابع ذكرت مطبعة «الثعالبية» التي تأسّست سنة 1895 على يد الإخوة الأتراك دروسي وطبعت كتبا أغلبها دينية وتاريخية ومصاحف أعيد طبع بعضها بمناسبة «تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية»، وذكرت أيضا «المطبعة الإسلامية الجزائرية» بقسنطينة التي تأسست سنة 1925 وهي لابن باديس وطبعت الصحف والكتب، فضلا عن المطبعة العربية «أبو اليقظان» سنة 1931 ثم مطبعة «ابن خلدون» بتلمسان سنة 1938 للبشير الإبراهيمي، والتي أدارها مولاي البغدادي ونشرت هذه المطابع كتب التاريخ والشعر والدين وغيرها. انتقل الحفل بعدها إلى باحة الشعر، ليقرأ الدكتور ناصر لوحيشي من جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة (شاعر الجزائر لموسم 2016 وله عدة كتب ودراسات أكاديمية في الأدب) إنشادات القافية التي برعت في وصف الأحاسيس وتجليات النفس في ساعة صفاء.