استحضارا لإحدى المحطات المهمة في مسار الثورة التحريرية، نظّم المتحف الوطني للمجاهد أوّل أمس، ندوة تاريخية تزامنا مع ستينية إضراب الثمانية أيام التاريخي، فكانت فرصة تحدّث فيها الباحثون وصنّاع التاريخ عن أهم ما ميّز هذا الإضراب. الندوة التي احتضنها مدرج «الشهيد محمد بوراس»، حضرها عدد من أعضاء الأسرة الثورية وباحثون وكذا طلبة مهتمون، ونشّطها المجاهدان محمود عرباجي ومحمد كشود، فيما أدارها الأستاذ عامر رخيلة. واستهلت بعرض شريط وثائقي لخّص في عشر دقائق أهم ما ميّز إضراب الثمانية أيام (28 جانفي - 4 فيفري 1957). بداية، تحدّث المجاهد محمود عرباجي عمّا عاشه في القصبة خلال الإضراب الذي دعت إليه جبهة التحرير الوطني، مشيرا إلى أنّ الاحتلال الفرنسي حشد كلّ قواته العسكرية في القصبة حيث كان يتمركز أغلب الجزائريين، فكان سخطها كبيرا، موضحا أنّ الاستجابة لنداء الجبهة كان بالإجماع، وما كان على قوات الاحتلال سوى تحطيم أقفال المحلات، وهي العملية التي رافقتها عمليات نهب كبيرة قام بها الجنود الفرنسيون. وواصل المجاهد حديثه عن الاضراب بالتأكيد على عظمته على المستوى الدولي، لكن كانت نتائجه على الجزائريين فظيعة لما رافقه من قمع وتعذيب وتهجير. من جهته، توقّف المجاهد والباحث محمد كشود عند أصداء ونتائج إضراب 8 أيام، وحاول الإجابة على سؤال «لماذا النداء إلى الإضراب بعد 3 سنوات من الكفاح؟» ونقاط أخرى استحضرها في مداخلته. وفي هذا الشأن، أشار إلى أنّ الاضراب جاء في سياق تطبيق قرارات مؤتمر الصومام الرامية إلى تصعيد العمل الثوري والسياسي، وإشراك كلّ فئات الشعب الجزائري، حيث دعت جبهة التحرير الوطني إلى شن إضراب شامل لمدة ثمانية أيام بكامل المدن الجزائرية بداية من 28 جانفي إلى غاية 4 فيفري 1957، وسبق هذا الإضراب تطورات سياسية وعسكرية من بينها شمولية الثورة والتحام الشعب الجزائري بها، ناهيك عن تأسيس الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين في 20 سبتمبر 1956، وانتقال الثورة من الجبال إلى المدن مع تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال هيئة الأممالمتحدة في دورتها الحادية عشرة لجمعيتها العامة المنعقدة في أواخر جانفي 1957، ورافق هذه التطورات تصعيد فرنسي خطير، حيث كثّفت عملياتها العسكرية ورفعت عدد جنودها في الجزائر فضلا عن إنشاء المناطق المحرمة وإقامة المحتشدات، واختطفت في 22 أكتوبر 1956 الطائرة التي كانت تقل بعض قادة الثورة الجزائرية. إضراب الثمانية أيام، قرّرته لجنة التنسيق والتنفيذ وأوكلت مهمة تحضيره لقادة الولايات الست، حيث تمّ على ضوئه دعوة سكان المدن للتزوّد بالمؤونة قبل الشروع في الإضراب مع إيجاد صيغ كفيلة لمساعدة العائلات المحتاجة التي قد تتضرّر من طول مدة الاضراب، وأيضا توزيع مناشير وبيانات باسم جيش وجبهة التحرير الوطنيين تدعو الجميع للمشاركة في الاضراب. من جملة الأهداف التي سعى الاضراب لتحقيقها، إشراك المنظمات الجماهيرية في العمل الثوري، توحيد صفوف الشعب الجزائري، علاوة على إفشال سياسة السلطات الاستعمارية الهادفة إلى عزل الثورة عن الشعب، والتأكيد على أنّ جبهة التحرير الوطني هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري وأيضا كشف جرائم الاستعمار الفرنسي وإسماع صوت الثورة الجزائرية للعالم عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة آنذاك. الإضراب انطلق في يومه المحدّد، فعمّ مختلف أنحاء التراب الوطني واعتصم الجزائريون في بيوتهم ملبين النداء، وبدت كبريات المدن الجزائرية كأنّها ميتة بعد أن أخلى سكانها الشوارع والتزموا بيوتهم، وأغلقت المحلات التجارية وتعطّلت جلّ المصالح الاستعمارية وعلى رأسها قطاع الخدمات. ورغم القمع الاستعماري المسلّط، ومحاولات التعتيم الإعلامي وكسر الاضراب وتحجيمه، حيث عمدت فرنسا لإرغام المضربين على الرجوع إلى مراكز أعمالهم قسرا، إلى جانب تسليط أشد العقوبات على المضربين وتقديمهم للمحاكمة، إلا أنّ الاضراب نجح وحقّق أهدافه المسطّرة. ومن بين النتائج المحققة، اعتبار الاضراب بمثابة استفتاء، عبّر من خلاله الشعب الجزائري عن تمسّكه بالنهج الثوري التي اختارته جبهة التحرير الوطني ممثله الشرعي والوحيد، شلّ الاقتصاد الفرنسي لثمانية أيام، إطلاع الرأي العام الدولي على حقيقة الاستعمار من خلال شهادات أدلى بها مراسلو الصحف ووكالات الأنباء العالمية، ناهيك عن إبراز أهمية العمل السياسي للثورة وإثبات مدى إصرار الشعب الجزائري على استرداد سيادته كاملة غير منقوصة، وأيضا دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدراج القضية الجزائرية في أطار حق الشعوب في تقرير مصيرها، فكان ذلك ضربة قاضية لفرنسا الاستعمارية.