عاد الفنان التشكيلي المخضرم نور الدين شقران إلى جمهوره، من خلال معرض يقدم فيه 64 لوحة مختلفة الأشكال والألوان برواق «محمد راسم»، ليدشن هذا الفضاء الذي أغلق أبوابه أكثر من مرة، فهل سيكون فاتحة خير عليه؟ قَبِل الفنان نور الدين شقرون أن يدشن رواق «محمد راسم»، رغم أن معرضه هذا لم يتم الحسم في كل تفاصيله، فلا يتوفر على «كتالوغ» ولم توضع العناوين على اللوحات، لهذا قرر الفنان أن لا يبيع لوحاته في هذه الفعاليات، إلا أنه وفّى بوعده لتنظيم معرض في فضاء كان لا بد أن يرى النور مجددا. وعن معرضه الجديد هذا، قال شقران ل«المساء» بأنه يعرض لوحات جديدة رسمها سنتي 2016 و2017، مضيفا أنه تناول كعادته في معرضه هذا المرأة والرمز، مبينا بصمته المتمثلة في ثقافته الأمازيغية والمغاربية والإفريقية، وهو ما يجعله مختلفا عن الفنانين من الدول الأخرى. كما أنه اتخذ هذا الاتجاه منذ بداياته والدليل تأسيسه رفقة فنانين آخرين «مدرسة الأوشام». واعتبر الفنان أن رسم الهوية واجب لا غبار عليه، لكن هذا لا يعني أن يرسمها بشكل تقليدي، بل يحاول أن «يعصرنها» والبداية في أغلب الأحيان من نص كتابي يتأثر به ويرسمه بأسلوبه، مثبتا بصمته، سواء داخل الجزائر أم خارجها. كما استعان الفنان بأشياء من الصناعات التقليدية، مثل قطعة من زربية وضعها في لوحة من لوحاته. تأسف الفنان عن قلة، إن لم نقل انعدام استغلال تراثنا المادي وغير المادي في الفن، طالبا من أساتذة الفنون الجميلة إقحام معالم الهوية الجزائرية في الفن، ويضيف: «لم أشاهد قط طلبة جزائريين من مدارس ومعاهد الفنون الجميلة، يذهبون إلى الطاسيلي ويستلهمون منها رغم أنها متحف مفتوح على الهواء الطلق، نفس الشيء بالنسبة للمصريين الذين لم يستغلوا بدورهم تاريخ الفراعنة». كما عمل الفنان على «إقحام» شخصيات نسوية بالأساس في لوحات تجريدية تسبح فيها الرموز والإشارات، وهو ما لا يحدث عادة، حيث أن اللوحات من هذا النوع تخلو من الشخصيات، لكن صاحبنا أراد أن يجعل من «نسائه» سيدة اللوحات، كيف لا وهو تلميذ الفنان الكبير أمحمد اسياخم. تظهر نساء شقران والابتسامة لا تفارق ثغرهن، وفي هذا يقول الفنان إنه يريد من خلال شخصياته أن يدخل السكينة إلى قلب الجمهور بعد معاناته كثيرا من مشاكل الحياة ومن أحداث أدمت قلبه، معتبرا أنه في وقت الحزب الواحد رسم الكثير عن الثروات الجزائرية والفيتنامية وغيرها، لكن حان الأوان أن يرسم الفرحة. في المقابل يرسم نور الدين المرأة في شكل حركة، حيث يأخذ أكثر من حرف ويحورهم في شكل امرأة في أغلب الأحيان أو زوج أو حتى طفل. ولا يكتفي الفنان في رسم كل ما له علاقة بالهوية الجزائرية الأمازيغية، بل إنه يستعمل الكاليغرافيا العربية في أعماله، خاصة في الجديد منها التي سيعرضها مستقبلا، لكن بطريقته الخاصة، إذ أنه أضفى عليها الحداثة والحركة إلى درجة أن هناك من اعتبرها حروفا صينية أو يابانية. وماذا عن علاقة شقران باللون الأسود؟ يجيب نور الدين بأنه كان يستعمل الأسود كثيرا في أعماله، لكنه تلقى نقدا جراء ذلك، فاختار أن يلون الخطوط التي يرسمها بالأسود مع المحافظة على توازن اللوحة، فلا يجب أن يكون فيها الكثير من الألوان، كما تمنى لو أنه كان بإمكانه عرض رسوماته باللونين الأبيض والأسود في هذا المعرض، لأنه يعتقد أن الرسمة هي التي تبرز شخصية الفنان وكل ما تبقى هو مجرد «ألوان». من جهة أخرى، اعتبر شقران أن تأسيس متحف في الميترو بساحة الشهداء أمر رائع، ويا حبذا لو يزور التلاميذ والطلبة المتاحف والأروقة الجزائرية، مضيفا أن هناك من طلبة مدارس الفنون الجميلة من لم يزر متحفا ولم يدرس تحفة ما رغم أهمية الثقافة في المجتمع. وتأرجحت أشكال اللوحات التي يعرضها الفنان في معرضه هذا الذي تختم فعالياته يوم الحادي عشر من الشهر الجاري، فمنها ما جاء في شكل مربع، وأخرى دائرية الشكل وحتى منها مثلث ومعين وغيرها، وفي هذا يقول: «للمرة الثانية أعرض لوحات في أشكال مختلفة، والحقيقة أن هذه التقنية رغم أنها جديدة في الجزائر إلا أنها تعود إلى القرون الوسطى، حتى ليوناردو دافينتشي رسم في لوحات دائرية، لكنني أفضل أن أرسم في لوحات مربعة لأن المربع يضم المثلث والدائرة وكل الأشكال الأخرى». في إطار آخر، أكد نور الدين شقران إمكانية تأسيس سوق للفن التشكيلي في الجزائر، وفي هذا دعا إلى فتح المزيد من الأروقة، خاصة من طرف الخواص الذين يملكون المال الوفير، معتبرا أن إعلان الوزير عن فتح سوق غير كاف، ويجب أن يتعاون الجميع، وفي مقدمتهم الفنانون التشكيليون، في تحقيق هذا الغرض، إضافة إلى النقاد والإعلاميين. كما اعتبر أن البيع بالمزاد مثلا يمكن تحقيقه، وغيرها من الأمور المتعلقة بالسوق، وهو ما تحدث عنه في سنوات السبعينات حينما عمل محافظا لمعرض في بولونيا واكتشف إنشاء محلات تابعة لمدارس الفنون الجميلة يتم فيها بيع كل ما هو فني، وهناك يأخذ الفنانون نسبة من الربح.