لا تزال بعض العائلات العاصمية تتمسك بالكثير من العادات والتقاليد الأصيلة، منها تقليد تبادل الأطباق بين الجيران، وهي الميزة التي تطبع بشكل خاص الشهر المعظم، شهر الرزق والبركة، حيث تدق العديد من ربات البيوت باب جاراتهن ليقدمن لهن طبقا معينا مما حضرنه لعائلاتهن. عادة جميلة لم تمحها رياح العصرنة، تلك الرياح التي كادت أن تغلق على الفرد في بيته وتجعله يعتزل الحياة الاجتماعية التي كانت تطبع الحياة التقليدية التي عرفها أجدادنا، حيث كان الأسلاف قديما يعيشون في «أحواش» بها العديد من الأسر، يجمعها الاحترام والتقدير والوقار يفرض نفسه، الصغير يوقر الكبير والكبير يحترم الصغير، وكان لكل واحد مكانته الخاصة، والجميع يعيش في كنف عائلة كبيرة. كانت في تلك المرحلة العديد من العادات الجميلة التي كادت أن تزول بزوال «التفكير الأصيل»، حيث أدى التطور بكل أبعاده، والمشاكل التي جرها ذلك التطور من الضغط الاقتصادي، المادي، الثقافي أو الذهني إلى دفع الكثيرين إلى البحث عن العزلة، وجعل من الحياة الاجتماعية خيارا أخيرا يمكن الاستغناء عنه، إلا أن ذلك لم يكن «منطق» كل العائلات الجزائرية، وهذا ما أثبته استطلاع «المساء» الذي أجريناه بين العديد من العائلات الجزائرية، من خلال مختلف التقاليد الرائعة التي لا تزال متجذرة في حياة الكثيرين، ومن تلك العادات تبادل الأطعمة بين الجيران. في حديثها، قالت فتيحة، قاطنة بحي 5 جويلية، أن عادة تبادل الأطباق تعود مع كل شهر رمضان الكريم، مشيرة إلى أن ذلك من الموروثات الشعبية والعادات التي كانت تحرص عليها العائلات، كتقليد جميل يجعل الجيران يشعرون بأنهم أسرة واحدة، لاسيما خلال شهر رمضان المبارك الذي غالبا ما يبحث فيه الفرد على جو المحبة والأخوة والتقرب من الله، بإدخال البهجة إلى نفس القريب والصديق. هذا التبادل في الأطباق، تضيف المتحدثة، هي تبادل حصة من الطعام تعدها الأسرة لمائدة الإفطار، وتخصص جزءا منها للجيران، وغالبا ما تكون من الأصناف التي تصنع من قبل ربة المنزل، كالخبز، البوراك، الكسكسي للسحور، أو أنواع مختلفة من العصائر التقليدية المحضرة في المنزل، كما يمكن أن تكون من الحلويات التقليدية الخاصة بشهر رمضان، كان قديما يتم تقديم المحضرة في البيت، إلا أن اليوم يمكن تقديم أيضا الحلويات التي تباع في المحلات، كقلب اللوز والقطايف وغيرها. من جهتها، قالت فاطمة الزهراء، من نفس الحي، بأن هذه العادة القديمة لم تزل وما يحدث من تبادل للأطباق خلال الشهر الكريم يثبت ذلك، بحيث تتسلم الجارة الطبق ساخنا خلال شهر رمضان، مشيرة إلى أن تلك العادة تتم قبل دقائق قليلة من الإفطار، حيث لابد أن يكون الطبق ساخنا، فتلك الأطباق لا تحمل فقط طعاما وإنما تحمل الكثير من معاني الكرم والجود والمحبة. على صعيد آخر، أجمعت العديد من ربات البيوت اللواتي حدثناهن، بأن العادة في ذلك تكون بمبادرة أحد الجارات، ومن اللبق رد تلك المبادرة بمبادرة أخرى، أي بمعنى إذا ما قدمت إحدى الجارات طبقا فيه أكلا معينا، على الجارة الأخرى إعادة صحنها لها يحتوي على طبق آخر، وليس من المفروض أن يتم في نفس اليوم، وإنما للجارة كل الأريحية في تحضير شيء في اليوم الموالي أو خلال الأسبوع لإعادة الصحن لصاحبته. إن تبادل صحون الطعام بين الجيران وإشراك بعضهم البعض بتذوق ما يعد من أكلات شهية طيبة، من بين التقاليد والطباع الاجتماعية التي اعتادت عليها عائلات عاصمية كثيرة لا تزال تمارسها وتداوم على أصولها، فهي تفتح أبواب الود والمحبة بين الجيران، ويبدو أن مظاهر هذا التقليد الشعبي المتعارف يكثر خلال شهر رمضان، الذي غالبا ما تعمر فيه مائدة الإفطار بشتى أنواع المأكولات والأطعمة.