منذ بداية شهر رمضان المعظم، يصنع الصائم لنفسه برنامجا خاصا لمواجهة ساعات الصيام الطويلة، فهناك من يقضي معظم اليوم في النوم والعطلة التامة عن العمل، وهناك من يفضل أن يقسم يومه بين العمل في الفترة الصباحية والراحة والاستجمام في الفترة المسائية، وأوقات للذكر والتسبيح وتلاوة القرآن ليلا، حيث طبعت يوميات الصائم الجيجلي ظاهرة أثارت انتباهنا، وهي تخصيص سويعات قبل الإفطار للتوجه إلى الينابيع الطبيعية، حاولت «المساء» التقرب من بعض الصائمين الذين يرتادون يوميا الينابيع المنتشرة بالمناطق الجبلية. تشهد الينابيع الطبيعية المنتشرة بشتى المناطق الريفية في ولاية جيجل، على غرار منبع» بوزنطار» بمنطقة تاكسنة، «باشلو» بالطاهير، «بوحداد «بالشقفة، «بوزيان» بأعالي بلدية العنصر،» الكرمة» بالسطارة ومنبعي «أدفال و«أنوراي» بأعالي بلدية العوانة، إقبالا منقطع النظير للمواطنين خلال شهر رمضان في السويعات الأخيرة قبل الإفطار، لاسيما أن الشهر الكريم أصبح يتزامن خلال السنوات الأخيرة وموسم الحر، إذ يفضل معظم الآباء اصطحاب أبنائهم والهروب من جو الأسواق والمراكز التجارية والاختناق المروري الذي تشهده المناطق الحضرية، والهروب نحو المناطق الجبلية، أين يقطعون كيلوميترات بين الغابات الكثيفة وظلال الأشجار بسياراتهم المعبأة بالقارورات الفارغة بهدف جلب المياه الطبيعية من هذه الينابيع. كشفت لنا بعض العائلات عن أن عادة زيارة الينابيع الطبيعية في شهر الصيام مجرد مضيعة للوقت في الفترة المسائية بعد طول اليوم، حيث أصبحت هذه الأخيرة تنافس شواطئ البحر في مجال الراحة والاستجمام، وأصبحت العائلات تفضل قضاء ساعات طويلة في الاستمتاع بالبرودة الطبيعية المنبعثة من ظلال أشجار الفلين والصفصاف وخرير مياه الينابيع الطبيعية الصحية، من أجل التحمل أكثر على قضاء يوم الصيام دون التعرض لحرارة الشواطئ . ومن العائلات من تجد في الينابيع الطبيعية بديلا للمياه المعدنية ومياه الحنفيات الصالحة للشرب، حيث عبر بعض أرباب العائلات، التقت «المساء» بهم عندما كانوا يشكلون طوابير من السيارات على مستوى منبع» أنوراي» بمنطقة «بني سكفال» بأعالي بلدية العوانة، بأنهم اعتادوا على شرب مياه الينابيع لفوائدها الصحية، فمياه منبع «أنوراي» مثلا أثبتت التجارب والتعود على شربه وحتى التحاليل الطبية بأنها مياه خفيفة تساعد على عملية تصفية الكلى من الحصى الصغيرة، فأصبح هذا الينبوع يشكل على مدار السنة، لاسيما في شهر رمضان وموسم الحر، قبلة العائلات من أحياء بلدية العوانة الحضرية والمناطق والبلديات المجاورة لها، رغم أن مياهه القادمة من سفح الجبل تتناقص كثيرا في موسم الحر، حيث طالب سكان المنطقة في الكثير من المرات السلطات المحلية بضرورة التدخل من أجل تهيئة المدخل المؤدي للمنبع، خاصة أن مصالح الغابات من جهتها تولي اهتماما كبيرا بنقاط المياه المنتشرة عبر المناطق الجبلية في الولاية، وتخصص في كثير من الأحيان أغلفة مالية من أجل تهيئة الينابيع التابع لنطاقها الإقليمي وإعادة الاعتبار لها، حيث أحصت نفس المصالح قرابة 110 نقاط ماء تستغلها في الكثير من الأحيان من أجل جلب الماء لتزويد شاحنات الإطفاء. تبقى الينابيع الطبيعية بالمناطق الجبلية في ولاية جيجل ذات أهمية صحية وفرصة للراحة والاستجمام، مما يجعلها تدعم السياحة الجبلية التي أصبح الوجه الجديد للسياحة بجيجل.