أكّد الأستاذ الباحث عبد الرزاق دوراري أنّ المسلمين يعيشون أزمة داخلية انبثق عنها أزمات عديدة وفي مقدّمتها أزمة المعرفة علاوة على أزمة المدنية وشرعية الحكم مطالبا بضرورة أن يكون للمواطن حقّ إبداء الرأي بكل حرية، من جهته اعتبر الأستاذ الباحث محمد لخضر معقال أنّ المسلمين وفي مقدّمتهم العرب يعانون من أزمة كبيرة تتمثّل في القومية التي انصهرت في قالب واحد لا يهتمّ بالتنوّع. في إطار الصالون الدولي للكتاب الذي انتهت فعالياته نهاية الأسبوع الماضي، قدّم الباحثان عبد الرزاق دوراري ومحمد لخضر معقال محاضرتين تحت عنوان "أزمات العالم الإسلامي"، فطرح الباحث محمد لخضر معقال إشكاليتين مهمتين تتمثّلان في طبيعة الحكم في العالم الإسلامي وهذا من خلال طرح الأسئلة التالية: "من يحكم؟"،"كيف يختار الحاكم ؟"و"ما هي طريقة الاختيار؟"، أمّا الإشكالية الثانية فتتمثّل في النقلة الكبيرة التي حدثت من قوم ابن هاشم إلى إمبراطورية عظيمة أدّت إلى إقصاء مسألة القومية وعدم الاهتمام بتنوّع العرب ما عدا الفرس الذين اهتموا بالقومية. وعاد الباحث معقال إلى أزمات العالم العربي من بداية الخلافة الإسلامية بعد وفاة الرسول الكريم إلى غاية انهيار الإمبراطورية العثمانية وبدأ مداخلته بالتساؤل عن قدرة نمو حضارة وسط بدو رحل أوكما وصفه العالم ابن خلدون بمكان غير حضاري، وقال أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشأ تكوين دولة، كما تمّ بعد وفاته طرح سؤال خطير حول الخلافة وهل سيكون المعيار اختيار الخليفة عن طريق رابطة الدم أم بالاتفاق على شخص معين؟. وقال المتحدّث أنّ الدولة الإسلامية مرت بهزات، بداية من اغتيال الخلفاء ثم الانقلاب الذي قاده الأمويون الذين أدركوا أهمية بناء الدولة على فلسفة سياسية وبحثوا عنها عند البيزنطيين من خلال دراستهم للعلوم اليونانية. وأضاف معقال أنّ انقلابا آخر شهده العالم الإسلامي يتمثّل هذه المرة في العباسيين الذين أحدثوا تغييرا من خلال العودة إلى معيار رابطة الدم كشرعية للحكم، وتساءلوا عن كيفية الحكم بالتفتّح أمام الشعوب والحضارات الأخرى مصر، بيزنطة وغيرها، وواصل معقال سرده فقال أنّه بعد قرن من نشوء الدولة العباسية، جاء الجاحظ برسائله السياسية والفلسفية والأدبية وطرح إشكالية الشرعية إمّا عن طريق رابطة الدم أم بالاتفاق على تعيين حاكم معيّن عبر معايير متّفق عليها. وأضاف الأستاذ أنّ خلافة المتوكّل جلبت شيئين غيّرا تماما من خارطة الحكم، حيث تمّ الاعتماد على جنسين آخرين وهما الفرس الذين وضعوا في الإدارة والأتراك الذين خصّص لهم المجال العسكري، وأعطى المتوكّل الأولوية للجانب العسكري أي للأتراك وأدّى ذلك حسب المحاضر إلى سعي الفرس للمحافظة على هويتهم وقوميتهم، ومن ذاك الحين إلى غاية اليوم لم يعملوا أبدا على الاندماج في الدولة الإسلامية. من جهته، أكّد الأستاذ عبد الرزاق دوراري أنّ الدولة الإسلامية لم توجد أبدا وإلى غاية اللحظة في الخارطة السياسية الدولية مضيفا أنّ الدولة التي أسّسها الرسول الكريم كانت عبارة عن دولة صغيرة لا تقارن بمعايير الدولة المتعارف عليها اليوم . وأشار المتحدّث إلى أنّ قضية شرعية الحكم ظهرت مباشرة بعد وفاة الرسول ولم تجد لها الحلول إلى غاية اللحظة، معتبرا أنّه لا يوجد عالم إسلامي بل هناك عالم تحكمه إيديولوجية، وبالتالي هناك ثلاث أزمات أساسية في الدول المسلمة تتمثّل في أزمة المدنية وأزمة الشرعية وأزمة المعرفة. واعتبر الأستاذ أنّ أزمة العرب والمسلمين داخلية وليست خارجية، واستأنف قوله أنّ هناك سؤالا ما انفك يطرح عند المسلمين ويتمثل في "هل عندما ندخل في الحداثة نفقد هويتنا؟"ويجيب المحاضر بأن ذلك مستحيل. وأكّد المتحدّث أنّ هناك أزمة هوية يعاني منها المسلمون، وأنّ الدولة الإسلامية لا شرعية لها في أعين مجتمعاتها، فالدول العربية لا تحمل صفة المدنية فالمواطن ليس له الحق في أن تكون له الحرية في قول نعم أولا، وبالتالي في هذا السياق كيف يمكن أن يأخذ الحكام بأيدي شعوبهم إلى الحداثة؟ يتساءل عبد الرزاق دوراري. وتطرّق المتحدث إلى أزمة خطيرة تهز العرب وهي أزمة المعرفة حيث يرفض تماما العقل الناقد والمفكر في هذا الدول، مضيفا أنّ المواطن المسلم والعربي لا حق له في إبداء رأيه بكلّ حرية واستطرد المتحدث قائلا "لم أرى تدخّل أيّ دولة مسلمة ضد فتوى الموت!".