جدد رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، خلال تدخله في اجتماع مجلس الوزراء، الأربعاء المنصرم، التأكيد على أن أولوية الأولويات بالنسبة للجزائر في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها هي الحفاظ على الاستقرار والسلم الاجتماعي، وحملت رسالته دعوة صريحة للجزائريين كافة على اختلاف مواقعهم وانتماءاتهم السياسية للتماسك والإسهام في الجهود الوطنية من أجل رفع تحديات الظرف وتجاوز الأزمة العصيبة، وهي الدعوة التي عززها رد الجيش الوطني الشعبي، الذي أكد التزامه بطابعه الجمهوري وبواجب الدفاع عن الوحدة والوفاء لمهامه الدستورية. الرئيس بوتفليقة الذي لم يثر في تدخلاته بمناسبة ترؤسه مجلس الوزراء الأخير أي رد على الحملات السياسية والتشكيكية الإعلامية الأخيرة، فضل مخاطبة الجزائريين باستعراض ما هو أهم وأخطر على مستقبل البلاد، والمتمثل في الوضعية الصعبة التي يشهدها الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة، بفعل ما ترتب عن أزمة تراجع أسعار النفط من آثار سلبية أثرت على مداخيل البلاد، وأصبحت ترهن تنفيذ السياسات التنموية الوطنية. ظهور رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء يعتبر في حد ذاته ردا على المشككين أما رسالته فكانت واضحة وحملت مغزى هاما باعتبارها تجاوزت التعقيب على المخاض الذي أثارته بعض التصريحات السياسية في الفترة الأخيرة، إلى دعوة مشروعة بضرورة التخلي عن النزوات الشخصية والتحلي بروح الوعي الجماعي في التفكير والإسهام بروح مسؤولية أكبر في تجاوز صعوبة المرحلة التي تمر بها البلاد، في ظل تنامي آثار الأزمة الاقتصادية المترتبة عن تراجع أسعار النفط. فقد ألح السيد بوتفليقة على ما هو أهم من الخوض في الجدال السياسي الذي يحرف الأنظار عن الواقع الصعب الذي تعيشه البلاد على الصعيد الاقتصادي غرار العديد من دول العالم، والذي يستدعي، حسبه، ضرورة تحلي كل شرائح الشعب الجزائري بالوعي الجماعي والعمل في انسجام تام من أجل تفادي تراجع النمو والحفاظ على الاستقلالية الاقتصادية والمالية للبلاد، وذكر الرئيس بوتفليقة بالمناسبة بالتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري، خلال المراحل التاريخية العويصة التي مرت بها الجزائر، لا سيما خلال مرحلة المأساة الوطنية، التي ما كان له أن يتجاوزها لولا التفافه وتكتله حول مسعى الوئام والمصالحة الوطنية، لافتا إلى أن الجزائريين، الذين اختاروا بفضل هذا المسعى تجاوز المأساة الوطنية والعودة إلى مسار التنمية منذ قرابة العقدين، لا يستحقون أن يعيشوا أزمة جديدة في التنمية بعد تلك التي شهدوها في نهاية الثمانينات. وإذ يبرز كلام الرئيس بوتفليقة الخيار الصائب الذي اختاره الشعب الجزائري الرافض للعودة إلى الوراء والتنازل عن المكاسب الأساسية التي تحققت له بفضل وحدته وتجنده من أجل استعادة الاستقرار والأمن والمضي قدما في مساعي إنعاش الاقتصاد الوطني وإرساء دعائم تنمية وطنية مستدامة، عبر إصلاحات شاملة تضمنتها محاور برنامج رئيس الجمهورية، المترجمة في مختلف مخططات الحكومة ومنها مخطط عمل الحكومة الذي سيعرضه الوزير الأول أحمد أويحيى خلال الأيام القادمة على البرلمان، فهو يؤكد في الوقت نفسه على أن صعوبة المرحلة الحالية تستدعي تجندا أكبر من قبل مختلف شرائح المجتمع الجزائري، بداية من الحكومة وشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين المطالبين بالحفاظ على جو الحوار والتضامن والتنسيق في إقرار السياسات الوطنية الاقتصادية والاجتماعية، وصولا إلى فئات العمال والسياسيين المطالبين أيضا بالإسهام الإيجابي في إنجاح الجهود الوطنية الهادفة إلى تجاوز آثار الأزمة والمشاركة في مساعي دفع النمو من خلال بناء اقتصاد قوي ومتنوع الموارد. ضمن هذا التوجه أسدى رئيس الجمهورية تعليمات للحكومة، حثها من خلالها على العمل بكل عزيمة على الاستجابة لتطلعات الشعب ودفع مسار الإصلاحات وعصرنة البلاد في وبناء اقتصاد متنوع أكثر فأكثر، ملحا في نفس الوقت على وجوب مرافقتها لكافة الجهود المبذولة في هذا الإطار، بالتواصل الدائم مع الشعب الجزائري من أجل شرح المغزى الحقيقي للإصلاحات، بغية كسب تجاوب الجزائريين مع المسعى ومشاركتهم الفعلية في رفع تحديات المرحلة. تعليمات الرئيس بوتفليقة للحكومة بضرورة شرح مغزى الجهود الوطنية التي تقودها، تأخذ بعين الاعتبار، الحاجة الملحة إلى شرح خيار اللجوء إلى أنماط التمويل غير التقليدي للاقتصاد الوطني، والتي تم تبنيها خلال اجتماع مجلس الوزراء من خلال مشروع تعديل قانون النقد والقرض، مع إدراك تام لصعوبة هذا الخيار الذي فرضته الوضعية الاقتصادية الراهنة والحاجة الماسة إلى إعادة على التوازنات المالية للبلاد. وتزامنت دعوة رئيس الجمهورية إلى التكافل والتماسك بين كل مكونات المجتمع، مع رسالة قوية وجهها الجيش الوطني الشعبي للجزائريين عامة وللنشطين السياسيين المشككين في المؤسسات الشرعية بشكل خاص، مفادها أن الجيش لن يحيد عن مهامه الدستورية ولن يرضخ لأي مطلب يدعوه إلى التدخل لقيادة انقلاب «أبيض» على مؤسسات الدولة الدستورية، حيث جاء في افتتاحية العدد الأخير لمجلة «الجيش» التي استندت أيضا للرسالة الاخيرة للفريق احمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي أنه «ردا على كل من يطالب سرا وجهارا أوضمنيا بالانقلابات العسكرية.. فإن جيشنا سيظل جمهوريا ملتزما بالدفاع عن السيادة الوطنية وحرمة التراب الوطني، حافظا للاستقلال، جيشا لا يحيد أبدا عن القيام بمهامه الدستورية مهما كانت الظروف والأحوال». ولا يمكن الفصل بين رسالة رئيس الجمهورية ورسالة الجيش التي تبدوا كاستجابة فورية لدعوة الرئيس إلى ضرورة تماسك والتفاف كل مؤسسات البلاد وكل فئات المجتمع حول المشاكل الكبرى والأساسية التي تواجهها. من هذا المنطلق، تبدو رسالة المؤسسة العسكرية عبر افتتاحية مجلة «الجيش»، كاستجابة واضحة وفورية من الجيش الوطني الشعبي لدعوة الرئيس بوتفليقة القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، إلى ضرورة التحلي بالوعي الجماعي والعمل في تناغم تام بين مؤسسات الدولة، وتأكيده على حاجة البلاد إلى مساهمة كل أبنائها في مسعى رفع التحديات المتعددة المطروحة أمام الوطن. تأكيد الجيش الوطني الشعبي لوفائه بمهامه الدستورية ثم التزام الحكومة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين بالحفاظ على مكاسب الاستقرار والسلم الاجتماعي، وكذا تخصيص رئيس بوتفليقة فئة العمال بالدعوة للإسهام في مساعي الدولة لتجاوز صعوبة المرحلة وتوسيع دعوته إلى كافة فئات الشعب الجزائري على اختلاف انتماءاتهم السياسية، يضع جميع مكونات المجتمع أمام مسؤوليتها في ظل الوضع الصعب الذي تجتازه البلاد، وما يميزه من تحديات متعددة تتجاوز الإطار الاقتصادي إلى واجب الحفاظ على استقرار الوطن وأمنه ودعمهما. ولا يمكن الفصل بين ما تضمنته الرسائل الواضحة التي وجهها الرئيس بوتفليقة بمناسبة اجتماع الوزراء الأخير، ورسالته السابقة التي وجهها بمناسبة ذكرى يوم المجاهد، والتي جاءت متساوقة مع كل الإجراءات التي اتخذها الرئيس بوتفليقة في الفترة الاخيرة، لاسيما خلال قيامه بتغييرات على مستوى قيادة الحكومة وعلى بعض الحقائب الوزارية، حيث تؤكد كل هذه المستجدات بان أولوية الأولويات بالنسبة لأعلى سلطة في هرم الدولة، هي الحفاظ على السلم الاجتماعي بما يدعم الاستقرار الوطني، والترفع عن الخلافات السياسية والحسابات الضيقة، لصالح الحفاظ على التماسك وعلى التناغم بين كل الفئات والتنظيمات والقوى الوطنية التي تحتاجها الجزائر في هذا الظرف لإنجاح مساعيها وخياراتها الهادفة إلى تخطي التحديات التي تواجهها.