صادقت الحكومة العراقية أمس على مشروع الاتفاقية الأمنية مع الولاياتالمتحدة واضعة بذلك حدا لحالة الترقب التي طغت على الساحة السياسية منذ أسابيع في هذا البلد بعد أن تراوحت مختلف المواقف بين مؤيد ومعارض لبنودها. ووصفت مصادر حكومية عراقية بأن مضمون الاتفاقية الذي تمت المصادقة عليه هو أفضل ما أمكن الحصول عليه من الأمريكيين في تلميح على أن الولاياتالمتحدة لم تكن لتقدم تنازلات إضافية وفق ما طالب به العراقيون عندما أحالوا نصها المعدل على إدارة الرئيس جورج بوش لأخذها بعين الاعتبار. وتكون أطراف المعادلة السياسة العراقية قد صادقت مكرهة على بنود الاتفاقية بقناعة أنها لا يمكنها أن تحقق أكثر مما حققت من تنازلات. ووافق 27 وزيرا من بين 28 وزيرا الذين حضروا الاجتماع الاستثنائي للحكومة المشكلة أصلا من 38 وزيرا على بنود الاتفاقية الجديدة بفارق كبير عن نصاب الثلثين الضروري للمصادقة على الاتفاقيات الدولية في العراق. وقالت مصادر في الحكومة ممن حضرت جانبا من عملية التصويت أن كل المجموعات السياسية من شيعة وسنة وأكراد أيّدت المعاهدة من منطلق أنها أكبر ما يمكن أن يتم تحقيقه. بينما عارضها كاتب دولة من جبهة الوفاق السنية بقناعة أنها ترهن سيادة الدولة العراقية. وقال علي الدباغ الناطق باسم الحكومة العراقية أن التعديلات الأخيرة مكنت من الحصول على أحسن الحلول الممكنة بين موقفي الجانبين في الظروف الحالية. يذكر أن الحكومة العراقية عقدت صباح أمس جلسة استثنائية برئاسة الوزير الأول نوري المالكي الذي أشار في كلمة الافتتاح إلى ما أسماه بالتقدم المسجل ولكنه لم يفوت الفرصة للقول أن العراقيين لم يتمكنوا من الحصول على كل ما كانوا يطمحون إليه دون أن يشير إلى المسائل التي أرادت حكومته الحصول عليها ولكنها لم تتمكن من ذلك في ظل الإصرار الذي أبدته الإدارة الأمريكية. ونصت الاتفاقية بشكل خاص على انتهاء الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق بانسحاب أكثر من 150 ألف عسكري أمريكي من العراق بحلول نهاية شهر ديسمبر من سنة 2011. وقامت حكومة المالكي مباشرة بعد التصويت على هذه الاتفاقية المشكلة من 31 مادة بإحالة نصها على الجمعية الوطنية التي يتوقع أن يصادق نوابها على نصها بالأغلبية البسيطة. وقال علي الدباغ الناطق باسم الحكومة العراقية في مؤتمر صحفي مباشرة بعد المصادقة على الاتفاقية إنه تقرر تشكيل لجنتين لبحث أي انتهاك ترتكبه القوات الأمريكية في العراق خلال السنوات الثلاث التي ستمضيها على أراضيه بعد انتهاء التفويض الأممي نهاية العام الجاري وفقا لما نصت عليه الاتفاقية. ومنحت الاتفاقية الأمنية الحكومة العراقية الحق في محاسبة الجنود الأمريكيين الذين يرتكبون جرائم خطيرة على الأرض العراقية "خارج أوقات أداء مهامهم وكانت هذه المسألة أحد أبرز البنود التي أعاقت التوقيع على الاتفاقية. وقال مصدر رفيع في رئاسة الوزراء إن كتلة الائتلاف العراقي ذات الأغلبية الشيعية في البرلمان أعلنت تأييدها لمسودة الاتفاقية، بعد أن تضمنت ثلاث نقاط هي تغيير اسم الاتفاقية إلى اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية وتحديد مواعيد نهائية لانسحاب هذه القوات وكذلك تضمينها بندا بعدم جعل العراق منطلقا للاعتداء على أية دولة مجاورة. ووصف البيت الأبيض الأمريكي مصادقة الحكومة العراقية على نص الاتفاقية بالخطوة الإيجابية كونها ستقنن طبيعة التواجد العسكري لوحدات المارينز في العراق بعد انتهاء التفويض الأممي الممنوح لها قبل ثماني سنوات والذي حصلت عليه واشنطن بعد أن احتلت العراق وأطاحت بنظام الرئيس صدام حسين حتى قبل أن تحصل على ذلك التفويض. وحسب ما تسرب من نص الاتفاقية فإن مسألة حصانة الجنود الأمريكيين في العراق التي شكلت نقطة الخلاف الرئيسية بين الجانبين الأمريكي والعراقي تمت تسويتها في إطار التعديلات الأخيرة بعد أن اتفق الجانبان على تشكيل لجنة مشتركة للبت في حالة أي جندي أمريكي والحكم عليه من طرف محكمة عراقية في حال ما إذا ارتكب جرما خارج إطارالمهمة الموكلة له من طرف مسؤوليه المباشرين. كما منحت للطرف العراقي صلاحية تفتيش أي عتاد عسكري أمريكي يدخل أو يخرج من الأراضي العراقية وهو الأمر الذي عارضته الإدارة الأمريكية ضمن بنود الاتفاقية الأولى. كما تم التوصل إلى مخرج بخصوص مصير حوالي 17 ألف عراقي معتقلين لدى القوات الأمريكية بتحويلهم إلى سلطة العدالة العراقية التي ستبت في مصيرهم وإطلاق سراح كل من يتأكد عدم إثبات أية تهمة وإحالة المتهمين على العدالة.