من تأجيل إلى آخر مازال موقف الحكومة العراقية يتأرجح متذبذبا بين قبول أو معارضة بنود الاتفاقية الأمنية المنتظر توقيعها مع الولاياتالمتحدة التي أسالت حبرا كثيرا وأثارت جدلا لم يتوقف إلى حد الآن بين رافض ومؤيد لبنودها. وكان من المنتظر أن تبث الحكومة العراقية بشكل نهائي أمس في مضمون هذه الوثيقة إلا أنها أرجأت ذلك إلى بداية الأسبوع القادم بسبب خلافات جوهرية بين مختلف الفعاليات السياسية العراقية. وأكد هذا التأجيل الصعوبات التي لاقتها حكومة المالكي في التوصل الى اتفاق نهائي بين جميع أعضائها قبل عرضها على الجمعية الوطنية لمناقشة بنودها واتخاذ موقف نهائي بشأنها. وقال وزير المالية العراقي باقر جبر سولاغ لقد تلقينا نص الاتفاقية من الجانب الأمريكي لإبداء موقف نهائي بشأنها يومي السبت أو الأحد القادمين لمناقشة نصها المعدل من الجانب الأمريكي ردا على اعتراضات عراقية على بعض موادها. وأضاف سولاغ أن الاتفاقية ستعرض على البرلمان لقول كلمة "نعم" أو "لا" على نصها. وكان مسؤول عراقي رفيع المستوى أكد أول أمس أن الحكومة العراقية وافقت بشكل جزئي على الاتفاقية الأمنية المنتظر توقيعها مع الولاياتالمتحدة، ولكنه أكد بطريقة ضمنية على وجود خلافات بين أعضائها، مما استدعى "تأجيل البت في بعض ما ورد في العرض الأمريكي على التعديلات العراقية إلى اجتماع مجلس الوزراء مع بداية الأسبوع ". وقال علي الاديب القيادي في كتلة الائتلاف الشيعي الحاكم "إن الحكومة وافقت على بعض البنود التي أرسلتها الادارة الامريكية كجواب للتعديلات التي طالب بها الجانب العراقي وخاصة تحديد موعد نهائي لرحيل القوات الامريكية نهاية سنة 2011 وانسحاب القوات المتعددة الجنسية من المدن في 30 جوان القادم. ولكن الاديب أشار إلى أن هناك بعض النصوص والملاحظات لم تحظ بموافقة الحكومة إلا أنها ستناقش في اجتماع مجلس الوزراء الاستثنائي المقبل ولقاءات القادة السياسيين. وهي الملاحظات التي جعلت المسؤول العراقي يؤكد على أن "جميع الاحتمالات قائمة حتى الآن ومنها اللجوء إلى مجلس الأمن لتمديد بقاء القوات المتعددة الجنسية". وكانت السلطات الأمريكية سلمت قبل اسبوع نظيرتها العراقية نص مشروع الاتفاقية معدلا بعد أن رفضت الحكومة العراقية نصها الأولي الذي جعل كل الأطياف العراقية ترفض نصها بالصيغة الأولى التي جاء بها. وقالت سوزان زيادة الناطقة باسم السفارة الأمريكية في بغداد "نعتقد أننا وصلنا إلى نهاية المسار فيما يخص الطرف الأمريكي في تلميح إلى أن الكرة الآن في معسكر الحكومة العراقية التي مازالت تدرس مضمون مشروع هذه الاتفاقية، وأضافت أننا نعتقد أنه بإمكاننا التوصل إلى اتفاق يلبي حاجيات الطرفين". يذكر أن نص هذه الاتفاقية بقي إلى حد الآن محل تجاذبات متواصلة في العراق والولاياتالمتحدة منذ انطلاق مفاوضات الطرفين بشأنها في فيفري الماضي بهدف التوصل إلى اتفاق يحدد الطبيعة القانونية للتواجد العسكري الأمريكي في العراق بعد انتهاء التفويض الأممي لهذا التواجد بحلول نهاية الشهر القادم. وكان من المنتظر أن يوقع الجانبان على هذه الاتفاقية شهر جويلية الماضي ولكنه تأجل إلى شهر أوت قبل أن يتم تأجيله إلى حد الآن دون مؤشرات واضحة لقبول نص هذه الاتفاقية من طرف الحكومة العراقية التي يبدو أنها تسعى إلى تأجيل إصدار موقف واضح إلى غاية استلام الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما مهامه في العشرين من جانفي القادم. ورفضت الحكومة العراقية الصلاحيات الواسعة التي منحها الجانب الأمريكي لجنوده في العراق بعد أن أكدت قيامهم بعمليات تفتيش ومداهمات للأماكن التي تريد، ومحاكمة العراقيين دون اللجوء إلى العدالة العراقية بالإضافة إلى عدم إخضاع الجنود الأمريكيين للعدالة العراقية في حال اقترافهم لجرائم ضد العراقيين. كما شكل إصرار السلطات العراقية على تفتيش ومراقبة كل شحنات العتاد العسكري الذي يدخل أو الذي يخرج من العراق وهو ما رفضته واشنطن. كما أبدى العراقيون مخاوف في أن تتحول الأراضي العراقية إلى أشبه بقاعدة عسكرية مفتوحة للقوات الأمريكية واحتمال استعمالها لشن هجمات عسكرية على دول الجوار وخاصة ضد إيران أو سوريا بسبب العلاقة المتوترة بين هاتين الدولتين والولاياتالمتحدة. وتتواصل حالة الترقب في وقت مازالت فيه العنف المستفحل يحصد مزيدا من الأرواح وبشكل لافت هذه الأيام أرجعه اللواء عبد الكريم خلف مدير قيادة العمليات بوزارة الداخلية إلى تقصير جهاز المخابرات وقسم الاستعلامات بالوزارة، وتقصير وزارة الأمن الوطني في أداء مهامها. وكان المسؤول الأمني العراقي يشير إلى سلسلة التفجيرات التي عرفتها بغداد وعدة مدن عراقية أخرى في المدة الأخيرة حمل مسؤوليتها على مديرية الاستخبارات العسكرية ووكالة المعلومات في وزارة الداخلية، وجهاز المخابرات ووزارة الأمن الوطني التي لم تقم بواجباتها. وشهدت مختلف المدن العراقية مؤخرا سلسلة تفجيرات وعمليات انتحارية بالسيارات الملغمة والأحزمة الناسفة أودت بحياة عشرات العراقيين.