تعتبر القراءة المرآة العاكسة لتطور الأمم والشعوب ورقيّها، كما أنها من المحركات الأساسية التي تدفع الأخيرة نحو المستقبل الزاهر، ولأن خير جليس في الأنام كتاب، فقد أولت الدولة الجزائرية أهمية كبيرة للكتاب والمكتبة، ومن ثمة القراءة، باعتبار هذه الأخيرة الضوء الذي ينير دروب التطور والتقدّم، لكن بين ما يجب أن تكون عليه، وما هو موجود فرق شاسع، على أساس أزمة القراءة التي أضحت مطروحة في مجتمعنا. «المساء» التقت بعدد من المبدعين والأساتذة وحاورتهم حول قراءة وأسباب العزوف عنها. الأستاذ عبد العزيز بوحبيلة (مدير المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بسكيكدة): القراءة هي الفيصل يرى الأستاذ بوحبيلة عبد العزيز، أن القراءة هي الفيصل بين مجتمع متقدم وآخر متخلف، كما أن عناصر الحضارة بُنيت على العلم، ولمّا كانت القراءة والمطالعة هما الأداتان الأهم في التحصيل العلمي، كان لزاما على المجتمع الجزائري الذي يصبوا إلى تحقيق تنمية مستدامة شاملة الاهتمام بالكتاب والمكتبة، لذا أرى بأنه من الضروري بمكان العمل والاستثمار في كل ما له علاقة بالكتاب والمطالعة العمومية، كما تبنته الدولة الجزائرية، من خلال قيامها بإنشاء قاعدة تحتية تتمثل في إنجاز في كل بلدية على المستوى الوطني مكتبة أو أكثر، مع تجهيزها بكل المتطلبات الضرورية للعمل المكتبي، بغض النظر عما هو موجود، فعلى سبيل المثال، تتوفر ولاية سكيكدة على 39 مكتبة مفتوحة للجمهور موزعة عبر 38 بلدية، إضافة إلى وجود 04 مكتبات جديدة بكل من سكيكدة والحروش والقل وعزابة، سيتم افتتاحها قريبا، تضاف إليها المكتبات السبع التي هي في طور الإنجاز. وفيما يخص إشكالية القراءة ببلادنا، فقد اعتبرها السيد بوحبيلة عبد العزيز بالرهان الكبير الذي يجب على المجتمع الجزائري برمّته رفعه، مع السعي كي يوفر له كل الأسباب التي من شأنها المساهمة في تحسين القراءة، كتشجيع المواطن على ارتياد فضاء المطالعة العمومية. الأستاذ أحسن دواس (جامعة 20 أوت 1955): عدة عوامل ساهمت في الأزمة يرى الأستاذ دواس، أن أزمة القرائية في الجزائر تعود إلى عدّة عوامل، أولها إلى عمق التصوّر الثقافي للمجتمع، فالقراءة لم تكن من أولويات التربية على مستوى الأسر وأيضا على مستوى المدرسة، وحتى على مستوى مختلف كل الهيئات التربوية والثقافية. وثانيها صناعة الكتاب في الجزائر التي لم ترق بعد إلى تمكين المواطن من الحصول على الكتاب في مختلف المجالات الثقافية والعلمية والاجتماعية. وثالثا إلى غلاء سعر الكتاب، وكذا انتشار المكتبات العمومية التي لا تملك تصورا واضحا لتقريب المواطن من مصالحها إن وُجدت. أما الطالب الجامعي، فقد ارتبط بالكتاب الجامعي المتخصص، فلا نجده ينوع من قراءاته، وقد تعود أسباب ذلك كما أوضح إلى كثافة البرنامج البيداغوجي للطالب، إضافة إلى مشاكله الاجتماعية التي تواجهه يوميا. الدكتور دوب صالح (أستاذ محاضر بجامعة العلوم الإسلامية الأمير عبد القادر): الكتاب أصبح مضيعة للوقت الأستاذ الدكتور دوب رابح، أرجع أسباب عزوف الطالب الجامعي عن القراءة، أولا إلى شبكة التواصل الاجتماعي والانترنيت، وإلى الفضائيات المتعددة التي تقدم أخبارا جاهزة دون عناء ولا تعب. وثانيا يرى أن الطالب يعتبر أن الكتاب أصبح يشكل بالنسبة إليه مضيعة للوقت، وثالثا غياب الإغراء والتحفيز بالقراءة، كتخصيص جوائز قيّمة لأحسن قارئ، معتبرا أن لا شيء يمكنه تعويض الكتاب الورقي الذي يبقى خير جليس. الشاعر عاشور بوكلوة: عوامل متداخلة ساهمت في الظاهرة يرى الشاعر عاشور بوكلوة من جهته، أن هناك عوامل متداخلة ومتكاملة ساهمت في استفحال ظاهرة الطالب الذي لا يقرأ، وأولى هذه العوامل حسبه تكمن في وسائل التكنولوجيا الحديثة التي سهّلت من مهمة الحصول على المعلومة والاستفادة منها بأبسط الطرق، والعامل الثاني، حسبه، متعلّق بالأسرة، ذلك أنّها لا تطالب أبناءها إلا بالتحصيل العلمي الذي يتيح لهم الانتقال من مرحلة إلى أخرى، دون مطالبتهم بالتحصيل الثقافي والمعرفي. أما العامل الثالث، فقد ربطه بالكتاب، أي من حيث شكل الكتاب، وقيمته المعرفية والمادية، وأيضا من حيث ندرة الكتب القيّمة التي تشجع على تلقي المعرفة بطرق ميسرة وجمالية.