نشط الأستاذ عبد المالك بن خلاف، أول أمس، بالمكتبة البلدية «خليفي الدراجي» الواقعة بحي عيسى بوكرمة في سكيكدة، مداخلة حول «المسرح والثورة وثورة المسرح»، في إطار نشاطات النادي الثقافي المسرحي لجمعية مهرجان المسرح لمدينة سكيكدة، حضرها جمع غفير من عشاق أب الفنون. في هذا السياق، أشار الأستاذ بن خلاف إلى أنه لا يريد أن يكرر الحديث عن نشأة المسرح الجزائري ومن أنشأه، بقدر ما يريد أن يفتح نقاشا فكريا جادا حول بداية تاريخ المسرح الجزائري، خاصة أن العديد من الباحثين يقسمون فترات المسرح وفقا للتاريخ أو الموضوعات، فمثلا كما قال كل ما أنتج في فترة النضال من أجل الاستقلال هو مسرح ثوري، أو كل إنتاج يتكلم عن الثورة المسلحة هو مسرح ثوري، وما عداه ليس بالمسرح الثوري. لذا يرى المحاضر أن التقسيم وفق الحقبة التاريخية غير فعال. كما أن التقسيم وفق الموضوع خاطئ في نظره أيضا، ودليله أن مسرحيات كتبت إبان الثورة التحريرية تتكلم عن ما قبل الثورة، إضافة إلى وجود مسرح ثوري أنتج بعد الاستقلال. وفيما يخص نشأة المسرح أو العروض المسرحية الأولى، قال الأستاذ عبد المالك بن خلاف بأنه لا يمكن الحديث عن نشأة المسرح الجزائري، دون الإشارة إلى الأشكال المسرحية غير الغربية -كما يسميها علي عقلة عرسان- الظواهر المسرحية عند العرب، والمتمثلة في القوال والقراقوز، فهذان الشكلان كان الهدف منهما الترفيه وحده، لكن الترفيه يشكل خطرا على الاستعمار لأنه يتهكم على الجنود الفرنسيين عند القراقوز، وعند القوال بحكاياته عن الهلاليين وعنترة يبعد فكرة أن الشعب الجزائري فرنسي، ومن هنا نفهم لماذا منعت السلطات الاستعمارية مثل هذه العروض. أما الشكل الغربي للمسرح، فقد اعتبر المحاضر أنه كان موجودا كفن فرنسي بحت، من خلال البنايات المسرحية التي كانت متواجدة في المدينة الأوروبية التي لم يكن بها جزائريون، وفيها كانت تطرح مواضيع بعيدة كل البعد عن الجزائريين، ورغم ذلك كما أضاف يمكننا القول بأن المسرح كان موجودا فوق تراب الجزائر، لكنه لم تكن له أية علاقة بالجزائر. مشيرا إلى أنه بعد زيارة كل من فرقة القرداحي وجورج الأبيض، انتشرت فكرة إنشاء فرق مسرحية، وهذا فعلا ما قام باشطارزي وجمعيته وعلالو وآخرون ممن ساهموا في إنشاء وتكوين فرق مسرحية، رغم أن الإنتاج المسرحي لم يصل إلى الجمهور من جهة، كما كانت المسرحيات تطرح مواضيع بعيدة كل البعد عن انشغالات الجزائريين، كأن تطرح إشكاليات الأمة الإسلامية والعربية، أو فتح الأندلس. ليؤكد بعدها أن ميلاد المسرح الشعبي الثوري كان سنة 1926، من خلال فرقة زاهية، حيث كتب وأخرج علالو مسرحية «جحا»، التي اعتبرها نقطة تحول وبداية حقيقية للمسرح الجزائري، وفيها خرج علالو عن المألوف وطرح موضوعا يتبناه الشعب، ووضع فوق الخشبة شخصية معروفة وشعبية، وهو جحا، مع استعمال اللغة الدارجة بدل العربية الفصحى. هذه المعطيات جعلت الإقبال على المسرحية كبيرا جدا، مما يؤكد على أنها بمثابة بداية المسرح، وثورة من الجانب الفني، وثورة أيضا على ما كان منتشرا. وفيما يخص مسرح النضال أو الكفاح، فقد أشار المحاضر إلى أنه بداية من نوفمبر 54، أوقفت السلطة الاستعمارية فرقة المسرح العربي بأوبرا الجزائر، كان يسيرها بشطارزي ومصطفى كاتب، الأمر الذي دفع العديد من الممثلين إلى التفكير في الالتحاق بجبهة التحرير الوطني، ومنه تأسست الفرقة الفنية التابعة لجبهة التحرير التي أنتجت عدة مسرحيات، من بينها «أولاد القصبة»، «نحو الضوء»، «الخالدون» لعبد الحليم رايس. كما نظمت هذه الفرقة عدة خرجات وعروض خارج البلاد، وقد مكنتها تلك الخرجات من التعريف بالقضية الجزائرية. أما ثورة المسرح بعد الاستقلال، فبعد أن قامت الدولة الجزائرية بتأميم المسرح الوطني الذي كان تحت إدارة محمد بودية ومصطفى كاتب، سرعان ما انطفأ حماس الاستقلال، لذا يرى الأستاذ بن خلاف أنه وبعد عام 1965، عمّ نوع من الخمول والفتور على المسرحيين، لينتفض خلال السبعينات إلى الثمانينات، حيث دخل المسرح في مرحلة الثورة الفنية وارتبط بالجمهور، كما فعل الأولون، مستعملا اللغة الدارجة مع طرح مواضيع شعبية وجريئة، مثل مسرحي قسنطينة ووهران. وعقب المداخلة، فتح النقاش الذي شارك فيها أساتذة جامعيون ومسرحيون، وتمحور حول مفهوم الثورة وعلاقة المسرح بالشعب والجمهور. كما استعين بعرض عن طريق جهاز الإسقاط لبعض مشاهد مسرحيات أحدثت ثورة، كمسرحية «الأجواد» لعبد القادر علولة.