تعد مهنة بيع وشراء السيارات القديمة، التي ينشط بها آلاف الأشخاص ممن تطلق عليهم تسمية «الكورتي»، من بين المهن التي تستهوي العديد من الشباب اليوم، لما لها من مداخيل وربح سريع، يمكن أن يتجاوز في اليوم الواحد ما يعادل الراتب الشهري لموظف في القطاع العمومي، وهي المهنة التي تبقى رغم مزاياها المالية العديدة مهنة مخاطر وتهديد. تنتشر في ولاية وهران، على غرار باقي ولايات الوطن، ظاهرة الأسواق غير الشرعية لبيع السيارات المستعملة، التي تبقى في اتّساع على مستوى الأحياء والبلديات، بعد أن تحولت المهنة إلى مصدر دخل هام لآلاف الأشخاص من ممارسي النشاط غير الشرعي، الذين يعرفون محليا بتسمية «الكورتي». شكلت الأرباح الخيالية التي أصبح يستفيد منها ممارسو المهنة مصدر جلب عشرات الشباب ممن حاولوا دخول غمار الأسواق، وممارسة مهنة «الكورتي» التي تبقى من المهن الشاقة والصعبة، حسب وصف عدد من الأشخاص الذين التقتهم «المساء» في أسواق ولاية وهران، بصدد بيع سيارات قديمة. رافقنا في إنجاز الربورتاج، السيد (رابح. م) المعروف بكل الأسواق غير الشرعية لبيع السيارات المستعملة في ولاية وهران، وكانت وجهتنا الأولى شارع «محمد خميستي» بمدينة وهران، الذي يعد امتدادا لسوق غير شرعية تقع بجوار السوق اليومية للخضر والفواكه «ميشلي»، خصصت في السنوات القليلة الماضية لعرض سيارات جديدة وفاخرة تلقى إقبالا من طرف الشباب من محبي هذا النوع من السيارات، حيث ركن الباعة سياراتهم على طول الشارع بعد غسلها وتنظيفها وعرضها أمام المشتري، حسب وصف رابح الذي أكد أن سوق وسط المدينة من أهم الأسواق التي تتم فيها صفقات كبيرة وشراء سيارات جديدة وماركات فاخرة، على غرار سيارات «المرسيداس» و»إيبيزا» و»بي أم دوبلوفي»، موضحا أن الربح في بعض أنواع السيارات قد يصل إلى حدود 10 ملايين سنتيم، مما حول المهنة إلى مصدر استقطاب للشباب ممن يحاولون الحصول على أرباح خيالية في وقت وجيز. 20 مليون سنتيم ربح في بيع سيارة واحدة تواصلت رحلة «المساء» نحو حي كاسطور، وبالضبط منطقة «ليبودروم» بحي المقري، الذي يضم اليوم أكبر سوق غير شرعية للسيارات المستعملة، حيث تجد فيها كل أنواع السيارات. والغريب في الأمر أن السوق تشهد عرض سيارات جلها بترقيم السنة الجارية 2017، من بينها سيارات علامة «رونو» المصنعة بمنطقة وادي تليلات، وعرضها بأسعار تتجاوز قيمتها الحقيقية ب20 مليون سنتيم، فيما تتجاوز أسعار سيارات «الإيبيزا» للعام الجاري 2017 سعرها الأصلي ب 30 مليون سنتيم، وهو نفس الأمر بالنسبة لباقي أنواع المركبات. عن مهنة «الكورتية»، كشف السيد مصطفى عن أنه يعمل في مهنة «الكورتي» منذ أكثر من 10 سنوات، وقد تعلمها من شقيقيه اللذين سبقاه فيها منذ سنوات. وأكد المتحدث أنه رغم ما يقال عن هذه المهنة بأنها مهنة الربح السريع، غير أنها تبقى مهنة مخاطر. موضحا أنه كان لأكثر من مرة ضحية احتيال وتزوير للمركبات والوثائق خلال ممارسته للمهنة في السنوات الأولى، وأكد مصطفى أن بعض الباعة يستغلون الوضع لعرض سيارات مستعملة مزورة تحمل ترقيما مزورا، ورغم الخبرة الكبيرة التي اكتسبها، غير أنه وقع فريسة المحتالين، ووجد نفسه أمام العدالة، وخسر الملايين بسبب هذه القضايا. رأس مال ب200 مليون سنتيم من جانبه، كشف «كورتي» آخر يدعى السيد عبد القادر، معروف في السوق، عن أن عددا كبيرا من الشباب لجأوا اليوم إلى مهنة «الكورتي» بسبب الطلب المتزايد على السيارات، واختفاء بعض الأنواع من السوق، الأمر الذي يدفع بالمواطنين من الباحثين عن مركات خاصة من المركبات إلى شرائها ودفع مبالغ مالية تفوق أسعارها الحقيقية، وهو ما يبقى متعلقا بالعرض والطلب. وأكد المتحدث أن المهنة بالفعل أصبحت اليوم مهنة الربح السريع أمام المبالغ الكبيرة التي يربحها عارضو السيارات. وأضاف المتحدث أن عددا كبيرا من الأشخاص الذين كان يعرفهم لسنوات، توقفوا عن النشاط بسبب إفلاسهم، بعدما كانوا ضحية احتيال أو سرقات. وأكد المتحدث أن ممارسة المهنة تتطلب أيضا توفير رأس مال كبير لا يقل عن 200 مليون سنتيم، كما يتطلب خبرة كبيرة وتحركا سريعا على مستوى البلديات لبيع وشراء المركبات، وهي مهام تتوزع في العادة بين عدة أشخاص، على شكل شبكات يقوم كل واحد منهم بمهام خاصة لتسهيل عمليات البيع والشراء والاستفادة من نسبة معينة من الأرباح. أكد المتحدث أن بعض عمليات البيع والشراء تتم دون أن يقوم «الكورتي» بدفع المبلغ المالي، حيث يقوم بشراء سيارة عن طريق «الكلمة»، بعد منح عربون لصاحب السيارة والاتفاق على السعر، حتى يقوم ببيعها لشخص آخر مباشرة بعد أن يكون قد اتفق معه في السعر، ومنه يستفيد من الفارق كربح برضا صاحب السيارة الأصلي الذي يقوم ببيعها وإنهاء الإجراءات القانونية مع الشاري الثاني، فيما يستفيد «الكورتي» من الأرباح برضا الجميع. «الفايسبوك» المنافس الشرس أكد السيد عبد القادر أن المهنة عرفت تراجعا كبيرا خلال السنتين الأخيرتين، بفعل مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى منافس للأسواق العشوائية، حيث أصبح بالإمكان شراء السيارات وبيعها عن طريق «الفايسبوك»، دون دخول الأسواق التي تبقى تثير الرعب لدى بعض المواطنين، خوفا من وقوعهم ضحية احتيال أو ضحية شراء سيارة متضررة، موضحا وجود بعض الباعة ممن يتحايلون على المواطنين ممن لا يعرفون السوق، وهي عملية منظمة يشارك فيها عدد من الباعة، وتبقى غير مقبولة لدى غالبية «الكورتية». يشار إلى أن ولاية وهران تضم اليوم سوقا شرعية واحدة لبيع السيارات المستعملة، تتواجد بمنطقة بن فريحة، وتعمل مرة واحدة في الأسبوع، الأمر الذي فتح المجال لظاهرة الأسواق العشوائية بولاية وهران، في وقت لا زال الباعة يطالبون بتنظيم المهنة وإخضاعها للقانون وحماية «الكورتي» من المشاكل، فيما يذكر أن بلدية وهران تستعد لافتتاح أول سوق يومية لبيع السيارات المستعملة بحي الحمري، على مستوى السوق القديمة لبيع المواشي، بحكم أنها يمكنها استقبال ما لا يقل عن 500 سيارة. ❊❊ رضوان قلوش ❊❊