شكل وصول رياح حراك الرفض الشعبي في المغرب إلى مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للبلاد، ناقوس خطر وإنذار حقيقي بدأ القصر الملكي يستشعر خطورته، في وقت عجز فيه تلبية المطالب المتنامية لسكان المناطق « الثائرة» وإصرارهم على مواصلة احتجاجهم الرافضة لوعود لن تتحقق. وكان احتضان الساحة المركزية لمدينة الدار البيضاء، القلب النابض للاقتصاد المغربي، أول حراك مساند لمختلف «الحراكات» المندلعة في مختلف مناطق البلاد بمثابة أولى بذور توسع نطاق «ثورة « المناطق النائية والمعزولة الى محيط كبريات المدن الرئيسية مثل الدار البيضاءوالرباط العاصمة السياسية وجعلت السلطات المغربية تقتنع أن تسيير هذه الأزمات المتلاحقة وفق سياسة الجرعة والوعود الوردية قد تنقلب عكسيا ضدها. وجربت السلطات المركزية في الرباط هذه السياسة عدة شهور بعد انفجار حراك الريف قبل أكثر من عام من خلال خطاب ملكي وإنزال حكومي كبير، اعتقد معه قاطنو الحسيمة وكل سكان منطقة الريف أن الفرج قد حان، إلا أن ذلك لم يكن سوى جرعة أولى لإطفاء شعلة ثورتهم، ليستفيق المتظاهرون في اليوم الموالي أن لا شيء تغير بل ازداد تعقيدا في ظل سياسة عسكرة المنطقة وخنق كل صوت رافض لسياسة الأمر الواقع. وهي حقيقة جعلت حكومة العثماني ومعها القصر الملكي يشعران أن سياسة التهدئة ب «المسكنات» لم تعد تقنع المغربيين ليس في الحسيمة فقط ولكن في كل المناطق التي انتقلت إليها عدوى حراك الريف إلى درجة أن مجرد حادث عابر في منطقة ما، كفيل بأن يشعل فتيل ثورة وحراك أكثر عنفا، وكان حراك مدينة جرادة في شرق البلاد قبل أسبوعين، بمثابة اكبر إنذار بعد أحداث الحسيمة التي فضحت زيف وعود التنمية المحلية في المناطق المغربية وكسرت لدى سكانها هاجس الخوف الذي سكنهم بعد أن استمدوا قوتهم من إصرار نشطاء منطقة الريف المتواصل منذ مقتل «الحوات» محسن فكري نهاية شهر أكتوبر الماضي، في أبشع صور الموت، والذين مازال الكثير منهم ينتظر محاكمة عادلة ضمن «قنبلة» متوقع انفجارها في أي حين. لكن مخاوف العثماني وكل الطبقة السياسية المغربية المتموقعة في حواشي القصر والمخزن زادت بعد ظهور ما يسمى بالحراك الشعبي للدار البيضاء ليس لأنه حراك قد يحمل جديدا ولكن بالنّظر إلى الفئات والشرائح التي انضوت تحت لوائه بعد أن ضم في صفوفه حقوقيين وسياسيين وقيادات حزبية وجمعوية مثل العدل والإحسان التي تحظى بتأييد شعبي واسع رغم سياسة التعتيم والإقصاء التي يحاول القصر الملكي فرضها عليها قصد تهميشها والتقليل من قدرة التجنيد في صفوفها. وشكلت الشعارات التي تم رفعها خلال حراك الدار البيضاء قاسما مشتركا لمطالب سكان مختلف المناطق المغربية الأخرى التي لم تعد تطيق العيش في ظل سياسة الحيف والحرمان التي تعاني منها والتي لم تخرج جميعها عن المطالبة بحياة كريمة ورأس مرفوع بعيدا عن سياسة التخويف البوليسي والترهيب الذي يمارسه أعوان المخزن ضد كل من يريد الخروج عن عصا الطاعة التي يسلطها عليهم. وتزداد مخاوف السلطات المغربية العاجزة عن تلبية مطالب مواطنيها أكثر مع اقتراب الذكرى السابعة لميلاد حركة « 20 فيفري» التي كسر نشطاؤها هذا الخوف في سياق ما اصطلح عليه بثورة «الربيع العربي» وشكل ذلك زلزالا حقيقيا داخل أروقة القصر الملكي وأرغم الملك محمد السادس، على إدخال تعديلات دستورية تعهد من خلالها بإحداث ثورة دستورية تكرس مبادئ الديمقراطية والحريات العامة والفردية ليتبين فيما بعد، أن ذلك لم يكن سوى وعود لذر الرماد لمنع وقوع ثورة شعبية ومجرد «مسكن» بدأ يفقد مفعوله مع «حراكات» الريف وجرادة وزاكورة وبوعرفة والدار البيضاء.