التقى الرؤساء الصيني والروسي والإيراني أمس، في قمة ثلاثية بمدينة كينغداو الصينية ضمن تحرك مشترك في محاولة لمواجهة الخطة الأمريكية لعزل إيران وإخضاعها لإرادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الدولي معها وتبعات ذلك على المصالح الاقتصادية الروسية والصينية في ايران. وتم عقد القمة الثلاثية ساعات فقط بعد انتهاء قمة مجموعة السبعة الكبار في كندا والتي أبانت عن خلافات حادة بين إدارة الرئيس الأمريكي وعواصم الدول الست الأخرى الأعضاء في أحد قوى التكتلات العالمية ليس فقط بخصوص الاتفاق النووي ولكن أيضا بخصوص السياسة الحمائية التي تبنّاها الرئيس الأمريكي غير مكترث بأضرارها على اقتصاديات بلدان "حليفة". ورغم أن النقاط التي تم بحثها في قمّة مدينة كينغداو الساحلية بين الرؤساء كسي جنغ بينغ وفلاديمير بوتين وحسن روحاني، قبل انطلاق أشغال القمّة السنوية لدول آسيا الوسطى، هي نفس القضايا التي تمت إثارتها في قمّة مجموعة السبعة إلا أن القمة الثلاثية أكدت أن بكين وموسكو وطهران لم تعد تثق في حقيقة الرفض الأوروبي للسياسة الأمريكية ليس فقط بخصوص فرض ضرائب إضافية على صادراتها من الحديد والألمنيوم باتجاه الولاياتالمتحدة، ولكن أيضا بخصوص صدق نواياها في الدفاع عن الاتفاق النووي مع إيران. وشكلت الرسالة الاستعطافية التي وجهها وزراء مالية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة قبل ثلاثة أيام للرئيس الأمريكي لاستثناء شركات بلدانهم العاملة في إيران من العقوبات التي توعد بفرضها عليها أكبر دليل على أن هذه الدول بدأت ترضخ للضغوط الأمريكية، ولم تعد قادرة حتى في الدفاع عن شركاتها فما بالك بايران. وشكلت العقوبات التي توعد الرئيس ترامب، بإنزالها على كل شركة تتحدى قراره بعدم التعامل مع إيران نقطة مشتركة بين كل الدول الموقّعة على الاتفاق النووي على اعتبار أنها جميعا فازت بمشاريع استثمارية ضخمة في إيران وكل تهديد لها يعد ضربا لمصالح هذه الدول. وتبقى الصينوروسيا من أكبر الدول تعاملا مع إيران من خلال مشاريع شملت كل القطاعات الحيوية من السدود إلى البترول والغاز إلى النووي وصناعة السيارات، وصولا إلى قطاع الري والطرقات ومشاريع البناء مما يجعلها أكبر متضرر من إقدام الولاياتالمتحدة على فرض عقوباتها على شركاتها. وتدرك السلطات الإيرانية مدى تمسك روسياوالصين بحماية استثماراتها في إيران، وهو ما جعلها تلجأ إلى لعب ورقة هاتين الدولتين للتأكد من مدى دعمهما لها في وجه النزعة العدائية الأمريكية، بعد أن لعبت ورقة الدول الأوروبية الموقّعة على الاتفاق النووي " فرنسا وبريطانيا وألمانيا" من خلال زيارات قام بها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، إلى عواصم الدول الثلاث لاستشعار مواقفها والتأكد من مدى تمسكها بالاتفاق الذي وقّعته والتزمت بتطبيقه قبل أن يأتي الرئيس الأمريكي ليخلط عليها كل حساباتها، وفق منطق ضرب كل ما حققته الدبلوماسية الدولية على مدى عدة سنوات لنزع فتيل إحدى أعقد الأزمات التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة. ولكن هل تتمكن روسياوالصين من الوقوف في وجه الإدارة الأمريكية في حال رضخت الدول الأوروبية الأخرى لنزوة الرئيس ترامب، وهو سؤال يفرض نفسه بالنظر إلى المصالح الكبرى لهاتين الدولتين مع الولاياتالمتحدة. وتبقى الإجابة على هذا التساؤل صعبة في الوقت الراهن بما يتطلب انتظار انتهاء مهلة ال180 يوما التي منحها الرئيس الأمريكي في الثامن ماي الماضي، تاريخ إعلان انسحابه من الاتفاق النووي قبل الانتقال إلى تنفيذ عقوباته ضد كل شركة دولية ترفض الانسحاب من إيران. والمؤكد أنه في حال فشلت الصينوروسيا في وقف الجبروت الأمريكي فان إيران ستدخل من جديد تحت طائلة عقوبات اقتصادية دولية أنهكتها طيلة عقدين من الزمن، وألبت عليها شرائح واسعة في أوساط الشعب الإيراني، وهي التي كانت تعتقد أن هذا الكابوس انتهى يوم 14 جويلية 2015، تاريخ التوقيع على الاتفاق النووي لتجد نفسها مرة أخرى في مواجهة تحديات أكبر مرشحة لأن تتواصل طيلة العهدة الرئاسية الأمريكية الحالية.