لم تستطع أو حتى لم تحاول حورية منعة التخلي عن حبها للرسم، رغم تخصصها في الطب الرئوي وتكوينها لعائلة، فعادت إلى حبها الأول وتعمقت في أفراحه وربما أحزانه أيضا، وتنطلق في عالم ساحر لا يُمل منه أبدا، وهكذا تعرض هذه الأيام 39 لوحة برواق "عائشة حداد". أحبت الطبيبة حورية منعة الرسم منذ طفولتها، لكن تخصصها في الطب الرئوي، ومن ثمة تكوينها للأسرة، أخذ من وقتها الكثير، لتأتي سنوات التسعينات، حيث قلّت، بل ندرت وسائل الترفيه، ومثلها الخرجات، فاهتدت حورية إلى طريقة لقضاء وقت الفراغ، والتي تمثلت في الرسم. عادت منعة إلى حبها القديم، مستسلمة له بكل جوارحها وأحاسيسها الدفينة، والنتيجة تنظيم معرض أول في عقر دارها، أعقبته معارض أخرى نظمتها في أروقة وفنادق، مختارة في ذلك أساليب فنية مختلفة وألوان متعددة. أما عن مواضيع لوحات الفنانة الطبيبة، فتمس الثقافة الجزائرية بكل تجلياتها، كما رسمت المرأة والطبيعة، منتقلة من الفن الواقعي والرسم الزيتي إلى التقنية المختلطة والفن المعاصر، مؤكدة ضرورة تطور الفنان عصاميا كان أم أكاديميا. تعرض التشكيلية في هذا المعرض 39 لوحة، من بينها لوحة رسمتها هذه السنة، وتضم مزهرية كبيرة تكاد تخرج من الإطار الذي وضعت فيه، وتفيض منها الأزهار، حتى أنك تشعر بأنك تشم رحيقها. دائما مع الأزهار وهذه المرة في حديقة، حيث تكاد تبلغ سيقانها عنان السماء، في حين انفجرت الأزهار في مزهرية وتساقطت في كل جهة في لوحة أخرى، ورسمت المرأة بكل تجلياتها، فرسمت المرأة الشاوية العروس، وأبرزت جمال خلقها وهندامها، كيف لا والفنانة تنحدر من قالمة، وظهرت العروس في هذه اللوحة، جميلة بلباسها الأحمر اللون، وحليها التقليدية، أما عن نظرتها فهي حالمة. وفي لوحة أخرى رسمت الفنانة مجموعة من النساء يرتدين ألبسة مختلفة، تحت عنوان "نساء في صيغة الجمع". اختارت الفنانة في لوحة أخرى أسلوبا شبه تجريدي، فرسمت ثلاث نساء يظهر كأنهن يحلقن، نحو ماذا؟ ربما نحو حلم دفين مات يحتضر نتيجة ضيق الوقت والمسؤوليات اللامتناهية، أم باتجاه حياة أفضل؟ أم إلى طريق مجهول لكنه سيكون أحسن من حياة رتيبة لا معنى لها. ودائما في هذا السياق، رسمت حورية امرأة ترتدي زيا تقليديا وعنونت اللوحة ب«تحت الخيمة". هناك لوحة أخرى تظهر ملامح امرأة تنظر إلينا والحزن باد على محياها، فيا ترى ما بها؟ بأسلوب مغاير على المعتاد، رسمت الفنانة مجموعة من الأوجه لرجال ونساء، منهم من يصرخ وآخر لا يبالي بشيء، كما استعملت في هذه اللوحة، اللون البني، على غير عادتها، فهي في العادة تعتمد على الألوان البهية، كأنها أرادت بهذه اللوحة اقتحام عالم آخر، عالم رهيب، عالمنا نحن. توالت اللوحات التي رسمتها الفنانة عن المرأة، الكائن الرقيق الذي يحمل الجبال على ظهره بابتسامة، وهاهي تقدم نفسها في لوحة، بشكل عفوي، لا يهمها أن يكون شعرها غير مستو، ولا أن تضع مكياجا، بل تظهر أمامنا بكل جمال، جمال الروح. كما لم تنس الفنانة سكاننا في الجنوب، فرسمت لوحة تجمع بين رجلين من أهلنا في التوارق، جالسين يحتسيان "الهدوء" كعادتهما، ولا يهتمان بمشاغل الحياة التي لا تنتهي. كما قدمت لوحة أخرى لترقي يرتدي "شاشه" الأبيض. وعودة إلى الطبيعة، رسمت حورية منعة منظرا طبيعيا خلابا، فيا لجمال زرقة البحر التي تنعش "الأعين" وتريح الأنفس. وفي لوحة أخرى، ظهر الخريف بكل مميزاته، في حين رسمت الفنانة مجموعة من الشباب يجلسون مع بعضهم البعض، لقضاء وقت طويل وممدد.