اتّجه الأولياء في السنوات الأخيرة، إلى تكليف بعض المؤسسات، مثل روضات الأطفال والجمعيات، بمهمة الإشراف على تربية أبنائهم وتعليمهم، وقناعتهم في ذلك أنّه كلما التحق الطفل مبكرا بمثل هذه المؤسسات، كانت له حظوظ أوفر في التعلم واكتساب أكبر كمّ من المعارف، ضاربين عرض الحائط أهم مطلب يحتاجه الأطفال قبل سن التمدرس، وهو إشباع حاجاتهم من اللعب. الزائر اليوم لبعض روضات الأطفال أو حتى الجمعيات، يقف على صغر سن الأطفال الوافدين عليها، الذين يجري تسطير برنامج تربوي يجعلهم رغم صغرهم مطالبين بفهمه والتجاوب معه، ونجد بعض القائمين على هذه المؤسسات التي أخذت طابع التربية والتعليم يؤكدون أن البرامج المقدمة لهذه الفئة تستجيب لسنهم دون إهمال الترفيه واللعب، وهو ما أكدته رئيسة جمعية السيدة "سعيدة.ن" من العاصمة، وقالت بأن الأولياء الذين يأتون بأطفالهم منقسمون إلى فئتين؛ فئة تأتي بهم في سن مبكرة، حوالي سنتين، طلبا لتعليمهم، وفئة بسبب العمل تضطر إلى التأمين عليهم بالجمعيات وروضات الأطفال التي تخضع في نظام عملها إلى برنامج معين، يكون فيه التعليم حاضرا بقوة، لكن الأكيد تقول "حق هذه الفئة في اللعب مضمون ولا يؤثر عليهم، وتظل تعلق "المسألة اختيارية متروكة للأولياء" الذين في اعتقادها يحبون أن يتعلم أبناؤهم أكبر قدر ممكن من المعلومات في سن مبكرة، خاصة ما تعلق منها بخبايا التكنولوجيا واللغات". من جهة أخرى، أوضحت محدثتنا أن بعض الأمهات ورغم أنهن غير عاملات، وبإمكانهن التفرغ للإشراف على العملية التربوية أو إشباع حاجات أبنائهن من اللعب، غير أنهن ربما وهروبا من المسؤولية أو الرغبة في مقاسمتها مع الغير، يقمن بإيداع أبناءهن في مثل هذه المؤسسات ويلحن على التركيز على الجانب التعليمي التثقيفي أكثر من الترفيهي". تعليم الأبناء في سن مبكرة مختلف فيه عن مدى أهمية إلحاق الأبناء في سن مبكرة بروضات الأطفال من عدمه، يرى الأخصائي في أدب الطفل، الدكتور سعيد يحي بوهون، أن المسألة لم يتم حسمها بعد ولا زالت محل نقاش حتى في الدول الأوروبية، انطلاقا يقول "مما يملكه الطفل في سن صغيرة من قدرات ذهنية تجعل إمكانية التخزين لديه كبيرة جدا، وبين أحقيته في إشباع حاجاته من اللعب والترفيه الذي يعتبر مطلبا غاية في الأهمية، بالنظر إلى دوره في بناء الشخصية. وبين هذا وذاك، يردف "التوجه العام اليوم يسير نحو تغليب التبكير في الاستثمار بقدرات الأطفال على أن لا تتجاوز المدة ساعة في اليوم، مع السعي إلى إشباع حاجاتهم من اللعب قبل سن الأربع سنوات، وهي المرحلة العمرية التي يبدأ فيها إدراك الأطفال لماهية العالم الخارجي". في السياق، يشير الأخصائي في أدب الطفل، أن تعليم الأطفال في سن مكبرة لا يعني بالضرورة وضعه في جمعية أو روضة أطفال، لأن بإمكان ربات البيوت توفير البيئة المنزلية المحفزة على تنمية الاستعداد للتعلم من خلال التسلية واللعب، وهو يكشف "ما بادرت إليه شخصيا في تجربة اعتبرها نموذجية، حيث اخترت، يقول "أن أعدّ منزلي لابنتي التي تبلغ من العمر أربع سنوات، وأعمل على تمكينها من إشباع حاجاتها من اللعب، وفي نفس الوقت خلقت لها جوا لتهيئتها نفسيا على التعلم دون أن تشعر بأنها تتعلم، لوجودها في المنزل الذي لا يشعرها بنوع من الالتزام أو بضرورة الانضباط أو الخضوع لبعض التعليمات التي يمكن أن تؤثر على نفسيتها". مراعاة خصوصية كل مرحلة عمرية تنشئ طفلا مبدعا ترى مدربة التنمية البشرية فريدة حريكان في حديثها ل«المساء"، في موضوع التبكير في تعليم الأطفال، بالتوجه نحو تغليب الطرح القائل بأن دخول الطفل للمدرسة في وقت مبكر يسبّب له حرمانا من حقه المطلوب في اللعب، ويزيدون على ذلك بأن قدراته الدراسية تتراجع في وقت لاحق، بسبب عدم إشباع حاجاته الفطرية في الترفيه وإرهاقه بالدروس. غير أن الأهم في اعتقادي، تقول "ماذا نعلم ونربي؟ كيف نعلم ونربي؟ وما هي أفضل الوسائل المساعدة لترسيخ المعلومة وجعلها مثمرة في الحياة العملية، وفي شخصية الطفل من كل الجوانب العلمية والروحية والاجتماعية والنفسية"؟، ومن ثمة تشير "الأجدر أن نسأل ما الذي يحتاج الطفل أن يتعلمه في كل مرحلة، وما هي أحسن طريقة تضمن تعليمه بيسر ووضوح وترسيخ المعلومة لديه، مع تطوير قدرته على الإبداع وإضافة ميزته الخاصة بما يكفل إنشاء طفل متميز، واثق من قدراته ومبادر ومبدع.